xX.MAZIKA.Xx
المدير العام
عدد المساهمات : 1964 الـــتـــقـــيـــيـــم : 0 تاريخ الميلاد : 16/02/1993 تاريخ التسجيل : 17/04/2010 العمر : 31 الموقع : EGYBOYS
| موضوع: الرق والتسري في الإسلام 2011-01-05, 04:25 | |
| للأستاذ عبد القادر السبسبي المحامي مجلة حضارة الإسلام، المجلد 1، العدد 9، سنة 1961
1. إن القرآن العظيم شرع الجهاد للإيمان بأن دفع العدوان وتنكيس أعلام الطواغيب ومنع الاضطهاد ورفع لواء الحرية، ولم يأمر برقّ ولا استرقاق؛ لأنهما يتنافيان مع مبادئ الإنسانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وقد خول الحق للمسلمين –حال انتصارهم على المحاربين وأخذهم أسرى- بأن يتبعوا أحد ثلاثة أحوال: 1- القتل، 2- الأسر، 3- العفو. (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقابِ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحربُ أوزارها).
ومن اطلع على أسرار الشريعة الإسلامية وفهم معناها علمَ بأن الشريعة ما جوّزتْ استرقاق أسرى الحرب إلا من باب المجاراة للأمم المعادية المحاربة، ومقابلة بالمثل جرياً على عادتهم، ولذلك يكون الرق قد فرضه الأمر الواقع، لأن الأسر في الحرب واقع لا محالة، وقتْل الأسير لا يأتلف مع العدل الإلهي. وأما العفو، فإنه وإن كان من شيمة الإسلام ولكن ليس من الحكمة أن يسترقّ المحاربون أسرى المسلمين ويستحيوا نساءهم، والمسلمون يقفون مكتوفي الأيدي أما هذه الحدث العظيم، ثم يعفون عن أسرى الأعداء ويرسلونهم إلى أهلهم مكرمين مبجلين، ومن يرى ذلك فقد بعُد كثيراً عن فهم حكمة التشريع التي غايتها مراعاة مصالح العباد ودرء مفاسدهم تفضُّلاً من الله ورحمة.
ولما كان تصرّف الإمام منوطاً بالمصلحة، وإن الاسترقاق ضرورة من ضرورات الحرب وإن الشريعة تتمشى مع العدل أنى وجد، وكانت العدالة تقضي أن تكون المعاملة بالمثل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أبيح للإمام ضرب الرق على الأسرى إذا رأى في ذلك مصلحة.
على أن الشريعة الغراء قبل أن تبيح الاسترقاق سدت جميع السبل التي كانت تتخذها الأمم الغابرة وسيلة للاسترقاق وقضت عليها ولم تُبقِ سوى أسير الحرب، وعملت على تقليص ظله بشتى وسائل البر والخير، وأدخلت من الإصلاح ما يكفل للأرقاء حقوقهم وللسادة مصالحهم وللمجتمع سعادته ورخاءه.
2. التسرّي
إن الضرورة التي أباحت استرقاق الأسرى هي ذاتها اقتضت إباحة التسري؛ لأن المحاربين الأعداء عندما يأخذون النساء المسلمات أسيرات يعاملونهن شر معاملة، إذْ في نظرهم أن الرقيق كالحيوان مسلوب الإرادة كما هو مسلوب الحرية (على حد تعبير أرسطو وأفلاطون) وإن السبيّة عندهم تصبح كالمتاع يتمتع بها ويفترشها كل من يبتغيها كما يفترش أصولها وفروعها. وهذا المنطق في الأمم الغابرة لم يزل موروثاً معمولاً به لدى الدول المدعية التمدن كابراً عن كابر حتى ألغي الرق باتفاق دولي.
وأما الإسلام فإنه يبرز فيما يختص بالإماء الجانب الإنساني فيهن، كي لا يحس أحد أن آدميتهن مهدورة، أو أنهن من الناحية الإنسانية هابطات، أو من نوع أو مستوى آخر غير مستوى الحرائر، فإنه يحظر نكاح السبايا إلا ضمن شروط اشترطها وراعى فيها الحقوق والمصالح والمجتمع، وهي: أولاً، إذن الإمام بالاسترقاق، لأن الرق والتسري لا يثبت بمجرد الأسر، كما أشرنا إليه آنفاً. ثانياً، انتظار براءة الرحم بالعدة أو بالوضع إن كانت حاملاً (1). ثالثاً، أن لا يكون زوجها أسيراً معها(2). وعند توفّر هذه الشروط تصبح الأسيرة مملوكة لمن هي في يده وتسمى ملك اليمين حسب التعبير القرآني، ولمالكها حق التسري بها عملاً بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) [النساء: 3] أم ما ملكتم من إماء. وقوله جلت عظمته: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) [المؤمنون: 6].
وعند تسرّي مالكها بها تظل مملوكة إلى أن تلد فتصير أم ولد(3) ويعتبر المولود منها حراً. ولما كان ليس من العدل أن تبقى الأم رقيقة ويكون الولد حراً، فقد حظر الشارع الى السيد بيعها والتصرف بها، وأمره أن يكرمها كما يكرم الزوجة الحرة في جميع شئونها وأن يحسن معاشرتها ومعاملتها، وحكم لها بالحرية التي تستكملها بوفاة مالكها.
وقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بالأمة من مالكها زواجاً كزواج الحرة، ويتحقق من هذا مصالح عديدة، منها إعفاف النفس، ودفع الفاحشة، وتخفيف النفقات على الدولة، وإعادة كرامتها لها ورفع مستواها، وإشعارها بأنها امرأة مصونة كالنساء الحرائر. وقد تفضلهن بتقواها. والله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) إذ المدار على القلوب، فرب رقيقة أفضل من حرة بسبب إيمانها. قال الله تعالى: (ولأمَة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) [البقرة: 221].
وقد أرشدتنا الشريعة الإسلامية المطهرة إلى آداب ينبغي مراعاتها في السبابا أجملتها الآية الكريمة: (ومن لم يستطعْ منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) [النساء: 25].
فالشريعة تهدينا إلى عدة أمور من شأنها رفع مستوى الأمة وجعلها بمصاف الحرائر من كل الوجوه، وإليك البيان. فالله العزيز الحكيم، 1- أطلق على الرقيقات اسم (الفتيات) ليصرف عن أذهاننا كلمة الرقيق أو الأمة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل فتاي وفتاتي، 2- أوجب استئذان السيد بزواجهن كما يستأذن البنت الحرة بزواجها، 3- أمر بأداء المهر لهن تطييباً لقلوبهن كما هو الحال في البنات الحرائر، 4- فرض عليهن التحصن ليرفع مستواهن ويكنّ طيبات طاهرات عفيفات كما هو حال السيدات الحرائر، 5- حرّم عليهن الزنا واتخاذ الأخدان ليعشن شريفات قانتات عابدات سائحات. ومن يتصف من الفتيات بهذه الصفات النبيلة ويتزوجهن يترتب عليهن ما يترتب على الأحرار من الأحكام الشرعية، وهي: 1- حرمة الجمع بين الأختين (4)، 2- تحريم أصولها وفروعها بالزواج منها كما يحرم عليها أصوله وفروعه، 3- لزوم الرجل بنفقتها وكسوتها وتهيئة مسكن لها.
إن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى الناس كلهم في عين الرأفة والرحمة، لا يفضل أحد منهم على الآخر إلا بالعبادة والتقوى. وقد أرسل لهم الرسلَ وجعل لكل أمة شرعة ومنهاجاً لتهذيب أخلاقها وإصلاح ما فسد منها، مراعياً في ذلك مصالح الأفراد من ذكر وأنثى. يقول العلامة العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الإحكام ( ص 38 ج1): (إذا عظمت المصلحة أوجبها الرب في كل شريعة، وكذلك إذا عظمت المفسدة حرمها في كل شريعة وإن تتفاوتت رتب المصالح والمفاسد فقد يقدم الشرع بعض المصالح في بعض الشرائع على غيرها، ويخالف ذلك في بعض الشرائع، وكذلك المفاسد: ففي شرع عيسى عليه السلام حرم في النكاح الزيادة على امرأة واحدة نظراً للنساء وكيلا يتضررن بكثرة الضرائر والإماء. وأجازه من غير حصر في شريعة موسى عليه السلام لمن قدر على القيام بالوطء ومؤن النكاح. وأجاز في شرعنا الزيادة على واحدة، وحرم الزيادة على الأربع نظراً لمصلحة النساء ورحمة بهن، ووطء الإماء من غير حصر نظراً لمصلحة الرجال). أقول: وكذا لمصلحة الدولة علاوة المصلحة العامة لأنه بتوزيع السبايا على الرجال ينزل عن الدولة عبء النفقات وتقوم الرجال إدارة شئونهن، فيكون هذا التشريع الإسلامي الحكيم قد راعى مصلحة الرجال والنساء معاً.
ومن ينظر إلى التشريع الإسلامي النبيل نظر العالم المنصف يرى أن الإسلام وإن كان أباح الاسترقاق مقابلة بالمثل، ولكنه قصد من وراء ذلك اجتثاثه من أصله وترك للزمن القضاء عليه.
وعلى أية حال، فإن مسألة الرق كلها بالقياس إلى الإسلام مسألة ملابسة تاريخية، وليست أصلاً من أصوله. وقد انتهت بالمعاهدات التي عقدت مع الدول بمنع استرقاق الأسرى منذ أمد بعيد وبالقوانين التي صدرت سابقاً ولاحقاً. فلم يعد الإسلام يبيح اليوم الاسترقاق لأنتهاء الأسباب التاريخية التي اضطرته في ذلك الزمن، إلا إذا الدول عادت إلى سيرتها الأولى وأعادت الشنشنة القديمة باسترقاق أسرى الحرب فتعود الدولة المسلمة إلى استرقاق الأسرى بحكم الاضطرار، لأن الضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلباً لمصالحها.
والسلام. | |
|