- 74% من الزوجات، و52% من الأزواج في العالم العربي يعانون من الجحود واللامبالاة من الطرف الآخر.
- الأنانية وغياب التقدير مرض اجتماعي عام وليس زوجيًا فقط.
- الزوجان العاقلان يدركان أهمية التقدير، بل يشكران على ما لا يستحق الشكر.
يتفانى هو في تلبية احتياجات أسرته المعيشية، ولا يدخر وسعًا في توفير كل ما يجعل حياة زوجته وأبنائه أفضل وأسعد.. وربما يعمل في أكثر من مكان لتحقيق هذا الهدف، ويجتهد في الت**ب ليكفي من ألزمه الله بالإنفاق عليهم.
تفني هي نفسها كشمعة من أجل زوجها وأولادها، فتؤدي مهامها المنزلية على أكمل وجه، وتتعب فلا تشكو، وتعاني فلا تضجر، بل تدور كنحلة في أرجاء بيتها.. تطهو.. وتنظف، وترتب، وتذاكر للأبناء، وتتفقد احتياجات الزوج، وتضن على نفسها بلحظات راحة مسروقة، خاصة إذا كانت تعمل وتحارب على جبهتي البيت والعمل معًا.
هو.. وهي يعطيان ويتفانيان ويعانيان أيضًا!يعانيان من الجحود وعدم التقدير، فالزوجة ترى أن ما يفعله زوجها هو واجبه ودوره اللذان لا يستحق عليها الشكر، والزوج يرى أن زوجته شأنها شأن كل الزوجات والأمهات، وأنها لا تفعل معجزة حتى يقدم لها آيات التقدير والامتنان.
محرومون من التعاطف كلاهما يدور في طاحونة الحياة، وينتظر لمسة تقدير، أو كلمة شكر، أو نظرة عرفان تخفف عنه الضغوط فلا يجد، فيرتفع صوته بالشكوى والأنين «زوجي ينكر تضحياتي.. زوجتي لا تقدرني».إنها مشكلة تعشش في بيوت كثيرة أربابها ورباتها محرومون من تعاطف الشركاء وتقديرهم، رغم أن الحاجة إلى التقدير تقع على أوائل سلم الاحتياجات الإنسانية التي ربتها العالم الغربي «ماسلو»، مؤكدًا أن حرمان الإنسان من هذه الحاجة يسبب له آثارًا نفسية سيئة، ويجعله يتخذ موقفًا معاديًا من المحيطين به، ويشعر نحوهم بالكراهية والتحفز.وتؤكد الدراسات أن 74% من الزوجات العربيات، و52% من الأزواج يقابلون عطاء الطرف الآخر باللامبالاة والجحود، كما يطرح القضية نفسها الخبير النفسي جمال يوسف – مدير مركز علاج الخلافات الزوجية – الذي يستقبل مركزه يوميًا عشرات الحالات لأزواج وزوجات يعانون جحود شريك الحياة، ومنهم من تركن عملهن، وتخلين عن طموحاتهن لأجل الأسرة، ومن وقفن بجوار أزواجهن حتى ارتقوا مهنيًا، وصارت لهم مشروعاتهم الخاصة، ولكن الأزواج تنكروا، بل تزوج بعضهم بمن يظن أنها تناسب وضعه الحالي ماديًا ومهنيًا، ومنهم أيضًا من سافروا لتحسين أوضاع أسرهم، وعندما عادوا ليستقروا مع زوجاتهم وأبنائهم فوجئوا بتغير مشاعر الزوجات وطباعهن.وفي الماضي، كان التقدير المتبادل بين الأزواج والزوجات يصل إلى حد مناداة الزوج لزوجته بـ «الهانم»، ومناداتها له بـ«البيه».. كان كلاهما يحفظ غيبة الآخر ويحترمه ويرعى هيبته أمام الأبناء، أما اليوم فالمقارنة بالآخرين والأخريات حلت محل التقدير، والسخرية وتسفيه العطاء حلا محل العرفان حتى صارت البيوت قنابل موقوتة، وصار كل من الزوجين يشعر بأنه يحرث في بحر.
التقدير ضرورة.. ولكن الخبراء النفسيون وأساتذة الاجتماع يحللون ظاهرة عدم التقدير الزوجي، ويتفقون على أن كثيرًا من بيوتنا العربية محكوم بمنطق «تراعين قيراطًا أراعيك قيراطين» منطق «قدرني أقدرك» لا فكرة «العطاء غير المشروط.. والشكر حسبة لله دون انتظار مقابل».
فالدكتور نبيل حافظ – أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس - يرى أن الحياة الزوجية لا تستقيم بدون تقدير، وأن طرفيها يظلان مستحقين للإحساس بقيمته ودوره في إدارة الأسرة ما لم يقصرا في واجباتهما الأساسية مثل الإنفاق، ورعاية الأسرة، وتوجيه الأبناء، ويضيف أن عدم التقدير يصيب الزوجين بالاضطراب النفسي، وعدم الرغبة في استمرار الحياة المشتركة، ويجعلهما يؤديان واجباتهما بشكل روتيني دون حب أو استمتاع، وباختصار فإن عدم التقدير يقتل الحب ويزعزع أركان الأسرة.
أما د. سعيد عبد العظيم – أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة - فيرى أن الجحود الزوجي ظاهرة عالمية؛ فـ 13% من الأزواج الأمريكيين مثلاً يعانون منه، وينصب هذا الجحود في عدم تذكر ما فعله شريك الحياة لإسعاد الأسرة واستقرارها أو تذكره، ولكن دون تقديم الشكر عليه وإظهار التقدير للجهد المبذول في سبيل الأسرة.
ويرصد د. محمد عويضة – أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر - أسباب النكران الزواجي فيلخصها في جهل الزوجين بطبيعة النفس البشرية التي تعشق المدح والتقدير، وتكره الذم، وإذا ما عوملت بلا مبالاة وتجاهل تشعر بالإحباط والنفور، ويشير إلى أن النكران سلوك لم يعد للأسف، قاصرًا على الحياة الزوجية فقط، فهناك حالة من الأثرة والأنانية قد تفشت في المجتمع العربي كله، فصار شعار الأغلبية «أنا ومن بعدي الطوفان»، وصار منطق المصلحة غالبًا على التعامل بين الناس.
أما الآثار السلبية لعدم التقدير بين الزوجين، فأهمها – كما تقول
د. محاسن علي حسن – أستاذة الطب النفسي - غياب التفاهم والتوافق بين الزوجين وغلبة التوتر والصمت على علاقتهما، وتربص كل منهما بالآخر وتصيده لأخطائه، وتصف الزوج الذي يقدر زوجته والزوجة التي لا تنكر فضل زوجها بأنهما شريكان عاقلان يريدان لسفينة حياتهما أن تسير في أمان،
بل إن حكمتهما قد تصل إلى حد أن يخترع كل منهما للآخر أفضالاً بأن يحوِّل الواجبات اليومية العادية إلى أفعال استثنائية ويشكره عليها بصدق ودون افتعال، فللتقدير – كما تقول د. محاسن – فعل السحر في الحياة الزوجية.نعم.. ولا نعم لجملة «سلمت يداكِ» تعبيرًا عن سعادتك بطهي زوجتك، ولا لجملة «الله يرحم أيامك يا أمي وأيام طعامك الشهي».
نعم لابتسامة رضا وسعادة لأي هدية مهما كانت صغيرة من زوجك، ولا لنظرة الاستهانة وليّْ الشفاه والتمتمة بسخرية «ياما جاب الغراب لامه».
نعم لرتبة حنان على كتف المسكينة التي تقف بالساعات لتدير البيت، وتؤدي مهامها المنزلية، ولا لتجاهل معاناتها وشكواها والتعامل معهما باستهانة.
نعم لتأكيد أهمية موافقة الأب على ما يرغب فيه الأبناء حفظًا لهيبته، ولا لإعطائهم ضوء أخضر بالتصرف، كما يحلو لهم بحجة أنهم كبروا،
أو أن الأب غير موجود لأخذ رأيه.
نعم لحث الأبناء على مساعدة الأم وعدم تحميلها كل الأعباء المنزلية، ولا للجلوس معهم أمام الكمبيوتر أو التلفاز،
بينما هي لا تكاد تستطيع أن ترفع قدميها من التعب، ولا يشعر أحد بها.