لحمد لله خلق كل شيءٍ فقدر ه تقديرا. أحمده سبحانه وأشكره, وأتوب إليه وأستغفره, والتجئ إليه من يوم كان شره مستطيرا, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا,.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
أيها الاخوة تعالى ربنا وتنزه أن يخلق السماوات والأرض وما بينهما بلا حكمة ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) وتبارك وتقدس أن يترك الإنسان بلا مهمة ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) ، ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )
في مثل هذه الأيام البازغة يتجاذب فئامٌ من الناس أطراف الحديث عن أمر مهم يشترك في مطارحته معظمُ المجتمعات بمجموعها، كما أن الألسنة تلوك الحديث عنه على اختلافٍ في مشاربها، إيجاباً وسلباً، خلافاً وضداً؛ لأنه في الحقيقة أهلٌ للحديث عنه وكثرة المطارحات فيه عبر مجالات متنوعة كالمنابر مثلاً والأندية والإعلام في بعض صوره.
ذلكم ـ عباد الله ـ هو الحديث عما يُسمّى بالعطل الصيفية أو الإجازات السنوية، والتي أصبحت حقبة من الدهر لا يمكن الاستغناء عنها بوجه من الوجوه، بل لقد أجمعت الأقطار بأسرها على أن هذه المرحلة جزء من الصبغة الواقعية على مضمار الحياة السنوية، والتي لا يمكن تجاهلها على أرض الواقع، حتى إنها قد فرضت نفسها على أن تكون مصنَّفة ضمن البرامج المنظمة في الحياة السنوية العامة، وهي غالباً ما تكون غوغائية تلقائية ارتجالية، أي أنها مع الإحساس بها على أنها واقع لا بد منه إلا أنها ينقصها الهدف السليم، وتفتقر إلى الضوابط الزمانية والمكانية،
إن حاجة الإنسان إلى الراحة بعد الكدّ وإلى الهدوء بعد الضجيج لهو من الأمور المسلَّمة والتي لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر، فالإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، ولا كل شرودهم فكراً، ولا كل أوقاتهم عبادة، بل جعل للنفس شيئاً من الإراحة والترويح المنضبطين بشرعة الإسلام، بل إن حنظلة بن عامر رضي الله عنه قد شكا إلى النبي تخلل بعض أوقاته بشيء من الملاطفة للصبيان والنساء، فقال له رسول الله : ((ولكن ساعة وساعة)) رواه البخاري ومسلم[1]، وقد ذكر ابن عبد البر أن عليا رضي الله عنه قال: (أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان)[2]، ويقول ابن الجوزي: "لقد رأيت الإنسان قد حُمِّل من التكاليف أموراً صعبة، ومن أثقل ما حُمِّل مداراة نفسه وتكليفها الصبر عما تُحِبّ وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس".
بهذا ـ عباد الله ـ يؤخذ مفهوم عام حول تخلل جدِّ المرء واجتهاده شيءٌ من الراحة وسكون الحركة الهائجة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حول واقع كثير من المسلمين اليوم هو: إلى أي مستوى يصل إليه مُعاشر العطل الصيفية؟ وما هي الآلية الإيجابية التي تُستثمر فيها الأوقات وتراعى فيها قائمة الأولويات؟ وما هو المفهوم الحقيقي للعطلة؟ أيكون في النوم، أم هو في اللهو؟! أيكون في الأفراح، أم هو في السياحة، أو هو في الإخلال بالنواميس الكونية من حيث انقلاب الليل نهاراً أو النهار ليلاً، أو في المطالعات الحثيثة لما تبثه وسائل الإعلام الفضائية أو شبكات ما يسمَّى بالإنترنت الغازية؟!
إنها أسئلة متعددة مصدرها فؤاد كل مؤمن ومؤمنة ينازعهم فيها الضمير الحي المتيقظ والغيرة على الفراغ والصحة والشباب. ما أحسن ما قاله الحسن البصري يرحمه الله، في قوله البليغ: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
وكم يتمنى الناس وكم يتلهف الشيوخ على الأوقات وعلى الشباب وأيامه :
ألا ليت الشبــاب يعود يومـا فأخبره بمــا فعل المشيب وما المرء إلا راكب ظهر عمره على سفر يغنيه باليوم والشهر
يبيت ويضحي كل يوم وليــلة بعيدا عن الدنيا قريبا إلى القبر