انجيل برنابا
الفصل المئة والخمسون
أجاب الاكبر: ( لاتقل هكذا أيها الاخ لأنك إنما تحتقر المعرفة التي يريد الله أن تعتبر ) ، أجاب الاصغر : ( فكيف أتكلم اذا حتى لا أقع في الخطيئة ، لأني كلمتك صادقة وكلمتي أيضا ، أقول اذا ان من يعرف وصايا الله المكتوبة في الشريعة يجب عليه العمل بهذه أولا اذا أحب أن يتعلم بعد ذلك أكثر، وليكن كل ما يتعلمه الإنسان للعمل لا(لمجرد) العلم به)، أجاب الاكبر: (قل لي أيها الأخ مع من تكلمت لتعلم انك لم تتعلم كل ما قلته؟)، أجاب الاصغر: (اني أتكلم أيها الاخ مع نفسي، اني أضع كل يوم نفسي أمام دينونة الله لاعطي حسابا عن نفسي، وأشعر على الدوام في داخلي بمن يوبخ ذنوبي)، قال الاكبر: ( ما هي ذنوبك أيها الأخ الذي هو كامل؟)، أجاب الاصغر: (لا تقل هذا لأني واقف بين ذنبين كبيرين، الاول اني لا أعرف نفسي اني أعظم الخطأة، الثاني لا أرغب في مجاهدة النفس لذلك أكثر من الآخرين)، أجاب الاكبر: (كيف تعلم انك أعظم الخطأة اذا كنت أكمل الناس؟) أجاب الاصغر: (ان الكلمة الأولى التي قالها لي معلمي عندما لبست لباس الفريسيين هي أنه يجب علي أن أفكر في خير غيري وفي إثمي فإذا فعلت هذا عرفت أنني أعظم الخطأة ) ، قال الأكبر : ( في خير من وذنب من تفكر وأنت على هذه الجبال فانه لا يوجد بشر هنا؟)، أجاب الاصغر: (يجب على أن أفكر في طاعة الشمس والسيارات، لأنه تعبد خالقها افضل مني، ولكني أحكم عليها اما لأنه لا تعطي نورا كما أرغب أو لأني حرارتها أكثر مما ينبغي أو لأنه يوجد مطر أقل أو أكثر مما تحتاج الأرض)، فلما سمع الاكبر هذا قال: ( أيها الاخ أين تعلمت هذا التعليم؟)، فاني أنا الآن ابن تسعين سنة صرفت منها خمسا وسبعين سنة وأنا فريسي؟) أجاب الاصغر: (أيها الاخ انك تقول هذا تواضعا لأنك قدوس الله، ولكن أجيبك بأن الله خالقنا لا ينظر الى الوقت بل ينظر الى القلب، لذلك لما كان داود ابن خمس عشرة سنة وهو أصغر اخوته الستة انتخبه اسرائيل ملكا وصار نبي الله ربنا. الفصل الحادي والخمسون بعد المئة
وقال يسوع لتلاميذه: لقد كان الرجل فريسيا حقيقيا، وان شاء الله أمكنا أن نأخذه يوم الدين صديقا لأني، ثم دخل يسوع الى سفينة وأسف تلاميذه لأنهم نسوا أن يحضروا خبزا، فانتهرهم يسوع قائلا: احذروا من خمير فريسي يومنا لأني خميرة صغيرة تخمر كيلة من الدقيق، حينئذ قال التلاميذ بعضهم لبعض: أي خمير معنا اذ لم يكن معنا خبز؟، فقال يسوع: يا قليلي الايمان أنسيتم اذا ما فعل الله في نايين حيث لم يكن أدنى دليل على الحنطة؟، وكم عدد الذين أكلوا وشبعوا من خمسة أرغفة وسمكتين؟، ان خمير الفريسي هو عدم الايمان بالله بل قد أفسد اسرائيل، لأني السذج لما كانوا اميين يفعلون ما يرون الفريسيين يفعلونه لأنهم يحسبونهم أطهارا ، أتعلمون ما هو الفريسي الحقيقي؟، هو زيت الطبيعة البشرية، لأني الزيت كما يطفوا فوق كل سائل هكذا تطفوا جودة كل فريسي حقيقي فوق كل صلاح بشرى، هو كتاب حى يمنحه الله للعالم، كل ما يقوله أو يفعله إنما هو بحسب شريعة الله، فمن يفعل كما يفعل فهو يحفظ شريعة الله، إن الفريسي الحقيقي ملح لا يدع الجسد البشري ينتن بالخطيئة، لأني كل من يراه يتوب انه نور ينير طريق السائح لأني كل من يتأمل فقره مع توبته يرى انه لا يجب علينا في هذا العالم أن نغلق قلوبنا، ولكن من يجعل الزيت زنخا ويفسد الكتاب ويجعل الملح منتنا ويطفئ النور فهذا الرجل فريسي كاذب، فاذا كنتم لا تريدون أن تهلكوا فاحذروا أن تفعلوا كما يفعل الفريسيون اليوم. الفصل الثاني والخمسون بعد المئة
فلما جاء يسوع إلى اورشليم ودخل الهيكل يوم سبت اقترب الجنود ليجربوه ويأخذوه، وقالوا: يا معلم أيجوز اصلاء الحرب؟، أجاب يسوع: ان ديننا يخبرنا ان حياتنا حرب عوان على الأرض، قال الجنود: أفتريد اذا أن تحولنا الى دينك أو تريد أن نترك جم الآلهة ( فان لرومية وحدها ثمانية وعشرين ألف إله منظور ) وأن نتبع إلهك الأحد ، ولما كان لا يرى فهو لا يعلم أين مقره، وقد لا يكون سوى باطل، أجاب يسوع: لو كنت خلقتكم كما خلقكم إلهنا لحاولت تغييركم، أجابوا: اذا كان لا يعلم أين إلهك فكيف خلقنا؟، أرنا إلهك نكن يهودا، فقال حينئذ يسوع: لو كان لكم عيون لأريتكم اياه ولكن لما كنتم عميانا فلست بقادر على أن اريكم اياه، أجاب الجنود: حقا لا بد أن يكون الاكرام الذي يقدمه لك الشعب قد سلبك عقلك لأني لكل منا عينين في رأسه وأنت تقول اننا عميان، أجاب يسوع: ان العيون الجسدية لا تبصر إلا الكثيف والخارجي، فلا تقدرون من ثم إلا على رؤية آلهتكم الخشبية والفضية والذهبية التي لا تقدر أن تفعل شيئا، أما نحن أهل يهوذا فلنا عيون روحية هي خوف إلهنا؟ ودينه، ولذلك لا يمكن لأني رؤية إلهنا في كل مكان، أجاب الجنود: احذر كيف تتكلم لأنك اذا صببت احتقارا على آلهتنا سلمناك إلى يد هيرودس الذي ينتقم لآلهتنا القادرة على كل شيء، أجاب يسوع: ان كانت قادرة على كل شيء كما تقولون فعفوا لأني سأعبدها، ففرح الجنود لما سمعوا هذا وأخذوا يمجدون أصنامهم، فقال حينئذ يسوع: لا حاجة بنا هنا الى الكلام بل الى الاعمال، فاطلبوا لذلك من آلهتكم أن تخلق ذبابة واحدة فأعبدها، فراع الجنود سماع هذا ولم يدروا ما يقولون، فقال من ثم يسوع: اذا كانت لا تقدر أن تصنع ذبابة واحدة جديدة فاني لا أترك لأجلها ذلك الإله الذي خلق كل شيء بكلمة واحدة الذي مجرد اسمه يروع جيوشا، أجاب الجنود: لنرى هذا لأني نريد أن نأخذك وأرادوا أن يمدوا أيديهم الى يسوع، فقال حينئذ يسوع: ((ادوناى صباءوت!))، ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غسلت لتملأ ثانية خمرا، فكانوا يلتطمون بالأرض تارة برأسهم وطورا بأرجلهم وذلك دون أن يمسهم أحد، فارتاعوا وأسرعوا إلى الهرب ولم يعودوا يروا في اليهودية قط. الفصل الثالث والخمسون بعد المئة
فتذمر الكهنة والفريسيون فيما بينهم، وقالوا لقد أوتي حكمة بعل وعشتاروت فهو إنما فعل هذا بقوة الشيطان، ففتح يسوع فاه وقال: لقد أمر إلهنا أن لا نسرق قريبنا، ولكن قد انتهكت حرمة هذه الوصية حتى أنها ملأت العالم خطيئة لا تغفر كما تغفر الخطايا الاخرى، لأنه اذا ندب المرء الخطايا الاخرى ولم يعد الى ارتكابها فيما بعد وصام مع الصلاة والتصدق صفح إلهنا القدير الرحيم، ولكن هذه الخطيئة من نوع لا يمكن غفرانه إلا إذا ردّ ما أخذ ظلما ، فقال حينئذ أحد الكتبة : كيف ملأت السرقة العالم كله خطيئة ؟ ، حقا إنه لا يوجد الآن بنعمة الله سوى النزر القليل من اللصوص وهم لا يجرءون على الظهور لأني الجنود تشنقهم حالا، أجاب يسوع: من لا يعرف الاموال لا يقدرون أن يعرفوا اللصوص، بل أقول لكم الحق ان كثيرين يسرقون وهم لا يدرون ما يفعلون، ولذلك كانوا أعظم خطيئة من الاخرين لأني المرض الذي لا يعرف لا يشفى، فدنا حينئذ الفريسيون من يسوع وقالوا: يا معلم اذا كنت أنت وحدك في اسرائيل تعرف الحق فعلمنا، فأجاب يسوع: اني لا أقول اني أنا وحدي في اسرائيل أعرف الحق لأني هذه اللفظة((وحدك)) تختص بالله وحده لا بغيره، لأنه هو الحق الذي وحده يعرف الحق، فاذا قلت هكذا صرت لصا أعظم لأني أكون قد سرقت مجد الله، وان قلت اني وحدي عرفت الله وقعت في جهل أعظم من الجميع، وعليه فانكم قد ارتكبتم خطيئة فظيعة بقولكم اني وحدي أعرف الحق، ثم أقول انكم اذا قلتم هذا لتجربوني فخطيئتكم أعظم مرتين، فلما رأى يسوع ان الجميع صمتوا عاد: مع اني لست الوحيد في اسرائيل الذي يعرف الحق فاني وحدي أتكلم، فأصيخوا السمع لي لأنكم قد سألتموني، ان كل المخلوقات خاصة بالخالق حتى انه لا يحق لشيء أن يدعي شيئا، وعليه فان النفس والحس والجسد والوقت والمال والمجد جميعها ملك الله، فاذا لم يقبلها الإنسان كما يريد الله أصبح لصا، وكذلك اذا صرفها مخالفا لما يريده الله فهو أيضا لص، لذلك أقول لكم لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته انكم عندما تسوفون قائلين: سأفعل غدا كذا سأقول كذا سأذهب الى الموضع الفلاني دون أن تقولوا ان شاء الله فأنتم لصوص، وتكونون أعظم لصوصية اذا صرفتم أفضل وقتكم في مرضاة أنفسكم دون مرضاة الله بل تصرفون أراده في خدمة الله، لانتم اذا بالحق لصوص، كل من يرتكب الخطيئة مهما كان زيه فهو لص، لأنه يسرق النفس والوقت وحياته التي يجب أن تخدم الله ويعطيها للشيطان عدو الله. الفصل الرابع والخمسون بعد المئة
فالرجل الذي له شرف وحياة ومال إذا سرقت أمواله شنق السارق وإذا أخذت حياته قطع رأس القاتل ، وهو عدل الله لأني الله أمر بذلك ، ولكن متى أخذ شرف قريب فلماذا لا يصلب السارق ؟ ، هل المال أفضل من الشرف ؟ ، أأمر الله مثلا أن من يقاص بأخذ المال ومن يأخذ الحياة مع المال يقاص ولكن من يأخذ الشرف يسرح!، لا لا البتة، لأني آباءنا بسبب تذمرهم لم يدخلوا أرض الموعد بل ابناؤهم، ولهذه الخطيئة قتلت الافاعي نحو سبعين ألفا من شعبنا، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان من يسرق الشرف يستحق عقوبة أعظم ممن يسرق رجلا ماله وحياته، ومن يصغي الى المتذمر فهو مذنب أيضا لأني أحدهما يقبل الشيطان بلسانه والآخر من أذنيه، فلما سمع الفريسيون هذا احتدموا غيظا لأنهم لم يقدروا أن يخطئوا خطابه، فدنا حينئذ أحد العلماء من يسوع: أيها المعلم الصالح قل لي لماذا لم يهب الله أبوينا حنطة وثمرا، فانه اذا كان يعلم انه لا بد من سقوطهما فمن المؤكد أنه كان يجب أن يسمح لهما بالحنطة أو أن لا يرياهما، أجاب يسوع: انك أيها الرجل تدعوني صالحا ولكنك تخطئ لأني الله وحده هو الصالح، وانك لاكثر خطأ في سؤالك لماذا لا يفعل الله حسب دماغك، ولكن اجيبك عن كل شيء، فأفيدك اذا ان الله خالقنا لا يوفق في عمله نفسه لأني، لذلك لا يجوز للمخلوق أن يطلب طريقه وراحته بل بالحري مجد الله خالقه ليعتمد المخلوق على الخالق لا الخالق على المخلوق، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو وهب الله كل شيء لما عرف الإنسان نفسه انه عبد الله ولكان حسب نفسه سيد الفردوس، لذلك نهاه الله المبارك الى الابد، الحق أقول لكم ان كل من كان نور عينيه جليا يرى كل شيء جليا يستخرج من الظلمة نفسها نورا، ولكن الأعمى لا يفعل هكذا، لذلك أقول لو لم يخطئ الإنسان لما علمت أنا ولا أنت رحمة الله وبره، ولو خلق الله الإنسان غير قادر على الخطيئة لكان ندا لله في ذلك الامر، لذلك خلق الله المبارك الإنسان صالحا وبارا ولكنه حر أن يفعل ما يريد من حيث حياته وخلاصه لنفسه أو لعنته، فلما سمع العالم هذا اندهش وانصرف مرتبكا. الفصل الخامس والخمسون بعد المئة
حينئذ دعا رئيس الكهنة سرا كاهنين شيخين وأرسلهم الى يسوع الذي كان قد خرج من الهيكل وكان جالسا في رواق سليمان منتظرا ليصلي صلاة الظهيرة، وكان بجانبه تلاميذه مع جم غفير من الشعب، فاقترب الكاهنان من يسوع وقالا: لماذا أكل الإنسان حنطة وثمرا؟، هل أراد الله أن يأكلهما أم لا؟، وإنما قالا هذا ليجرباه، لأنه لو قال: أن الله أراد ذلك لأجابا: لماذا نهى عنها؟، وإذا قال: أن الله لم يرد ذلك يقولان : ان للإنسان قوة أعظم من الله لأنه يعمل ضد إرادة الله، أجاب يسوع: ان سؤالكما كطريق في جبل ذو جرف عن اليمين وعن اليسار ولكن أسير في الوسط، فلما سمع الكاهنان ذلك تحيرا لأنهما أدركا أن يسوع قد فهم قلبيهما، ثم قال يسوع: لما كان كل إنسان محتاجا كان يعمل كل شيء لأجل منفعته، ولكن الله الذي لا يحتاج الى شيء عمل بحسب مشيئته، لذلك لما خلق الإنسان خلقه حرا ليعلم أن ليس لله حاجة اليه، كما يفعل الملك الذي يعطى حرية لعبيده ليظهر ثروته وليكون عبيده أشد حبا له، اذا قد خلق الله الإنسان حرا لكي يكون أشد حبا لخالقه وليعرف جوده، لأني الله وهو قادر على كل شيء غير محتاج الى الإنسان فانه اذ خلقه بقدرته على كل شيء تركه حرا بجوده على طريقة يمكنه معها مقاومة الشر وفعل الخير، وان الله على قدرته على منع الخطيئة لم يرد أن يضاد جوده ( اذ ليس عند الله تضاد) فلما عملت قدرته على كل شيء وجوده (عملهما) في الإنسان لم يقاوم الخطيئة في الإنسان لكي تعمل في الإنسان رحمة الله وبره، وآية صدقي هي أن أقول لكما أن رئيس الكهنة قد أرسلكما لتجرباني وهذا هو ثمر كهنوته، فانصرف الشيخان وقصا كل شيء على رئيس الكهنة الذي قال: ان وراء ظهر هذا الشخص الشيطان الذي يلقنه كل شيء، لأنه يطمح الى ملكية اسرائيل، ولكن الامر في ذلك لله. الفصل السادس والخمسون بعد المئة
ولما اجتاز يسوع من الهيكل بعد ان صلى صلاة الظهيرة وجد أكمها، فسأله تلاميذه قائلين: أيها المعلم من أخطأ في هذا الإنسان حتى ولد اعمى أبوه أم امه؟، أجاب يسوع: لا أبوه أخطأ فيه ولا امه، ولكن الله خلقه هكذا شهادة للانجيل، وبعد ان دعا الأكمة اليه تفل على الأرض وصنع طينا ووضعه على عيني الاكمه، وقال له: اذهب الى بركة سلوام واغتسل، فذهب الاكمه ولما اغتسل أبصر، فبينما كان راجعا الى البيت قال كثيرون من الذين التقوا به: لو كان هذا الرجل أعمى لقلت بكل تأكيد انه هو الذي كان يجلس على الباب الجميل من الهيكل، وقال آخرون: انه هو ولكن كيف أبصر؟، فسألوه قائلين: هل أنت الاكمه الذي كان يجلس على الباب الجميل من الهيكل؟، أجاب: اني انا هو ولماذا؟، قالوا: كيف نلت بصرك؟، أجاب: ان رجلا صنع طينا تافلا على الأرض ووضع هذا الطين على عيني؟، وقال لي: اذهب واغتسل في بركة سلوام، فذهبت واغتسلت فصرت الان أبصر، تبارك إله إسرائيل، ولما عاد الرجل الذي كان أكمه إلى الباب الجميل من الهيكل امتلأت اورشليم كلها بالخبر، لذلك احضر الى رئيس الكهنة الذي كان يأتمر مع الكهنة والفريسيين على يسوع فسأله رئيس الكهنة قائلا: هل ولدت أعمى أيها الرجل؟، أجاب: نعم، فقال رئيس الكهنة: الا فأعط مجدا لله واخبرنا أي نبي ظهر لك في الحلم وأنالك نورا؟، أهو أبونا ابراهيم أم موسى خادم الله أم نبي آخر؟، لأني غيرهم لا يقدر أن يفعل شيئا نظير هذا؟ فأجاب الرجل الذي ولد أعمى: اني لم أر في حلم ولم يشفني لا ابراهيم ولا موسى ولانبي آخر؟، ولكن بينا أنا جالس على باب الهيكل ادناني رجل اليه، وبعد ان صنع طينا من تراب بتفله وضع بعضا من ذلك الطين على عيني وأرسلني الى بركة سلوام لأغتسل، فذهبت واغتسلت وعدت بنور عيني، فسأله رئيس الكهنة عن اسم ذلك الرجل، فأجاب الرجل الذي ولد أعمى: انه لم يذكر لي اسمه، ولكن رجلا رآه ناداني وقال: اذهب واغتسل كما قال ذلك الرجل، لأني يسوع الناصري نبي إله اسرائيل وقدوسه، فقال حينئذ رئيس الكهنة: لعله أبرأك اليوم أي السبت ؟ ، أجاب الأعمى: انه أبرأني اليوم، فقال رئيس الكهنة : انظروا الآن كيف ان هذا الرجل خاطئ لأنه لا يحفظ السبت! الفصل السابع والخمسون بعد المئة
أجاب الأعمى: لست أعلم أخاطئ هو أم لا، إنما اعلم هذا هو أني أعمى فأراني ، فلم يصدق الفريسيون هذا ، لذلك قالوا لرئيس الكهنة : أرسل وادع أباه وامه لأنهما يقولان لأني الصدق ، فدعوا أبا الرجل الأكمه وامه ، فلما حضرا سألهما رئيس الكهنة قائلا: هل هذا الرجل ابنكما ؟ ، أجابا: انه ابننا حقا، فقال حينئذ رئيس الكهنة: يقول انه ولد أعمى والآن يبصر فكيف حدث هذا الشيء؟، أجاب أبو الرجل الذي ولد أعمى وامه: انه ولد حقا أعمى ولكن لا نعلم كيف نال النور، هو كامل السن اسألوه يقل لكم الصدق، فصرفوهما وعاد الرئيس فقال للرجل الذي ولد أعمى: أعط مجد لله وقل الصدق ـ وكان أبو الرجل وأمه خائفين أن يتكلما، لأنه صدر أمر من مجلس الشيوخ الروماني انه لا يجوز لإنسان أن يتحزب ليسوع نبي اليهود والا فالعقاب الموت، وهو أمر استصدره الوالي، لذلك قالا: هو كامل السن اسألوه ـ فقال حينئذ رئيس الكهنة للرجل الذي ولد أعمى أعط مجدا لله قل الصدق لأني نعلم ان هذا الرجل الذي تقول انه شفاك خاطئ، أجاب الرجل الذي ولد أعمى: لست أعلم أخاطئ هو إنما أعلم هذا اني كنت لا أبصر فأناراني، ومن المؤكد انه منذ ابتداء العالم حتى هذه الساعة لم ينر أكمه، والله لا يصيخ السمع الى الخطأة، قال الفريسيون: ماذا فعل لما أنارك، حينئذ تعجب الرجل الذي ولد أعمى من عدم ايمانهم وقال: لقد أخبرتكم فلماذا تسألونني أيضا، أتريدون أنتم أن تصيروا تلاميذ له؟، فوبخه حينئذ رئيس الكهنة قائلا: انك ولدت بجملتك في الخطيئة أفتريد أن تعلمنا؟، أغرب وصر أنت تلميذا لهذا الرجل، أما نحن فاننا تلاميذ موسى ونعلم ان الله كلم موسى، أما هذا الرجل فلا نعلم من أين هو، فأخرجوه من المجمع والهيكل ونهوه عن الصلاة مع الطاهرين بين اسرائيل . الفصل الثامن والخمسون بعد المئة
وذهب الرجل الذي ولد أعمى ليجد يسوع، فعزاه قائلا: انك لم تبارك في زمن ما كما أنت الآن، لأنك مبارك من إلهنا الذي تكلم على لسان داود أبينا ونبيه في اخلاء العالم قائلا: (هم يلعنون وأنا ابارك)، وقال على لسان ميخا النبي: ( اني ألعن بركتك)، لأني التراب لا يضاد الهواء ولا الماء النار ولا النور الظلام ولا البرد الحرارة ولا المحبة البغضاء كما تضاد إرادة الله إرادة العالم، فسأله لذلك التلاميذ قائلين: ما أعظم كلامك أيها السيد، فقل لأني المعنى لأني حتى الآن لم نفهم، أجاب يسوع: متى عرفتم العالم ترون أني قلت الحق، وهكذا ستعرفون الحق في كل نبي، فاعلموا اذا أن هناك ثلاثة أنواع من العوالم متضمنة في اسم واحد، الاول يشير الى السموات والأرض مع الماء والهواء والنار وكل الأشياء التي هي دون الإنسان فيتبع هذا العالم في كل شيء إرادة الله كما يقول داود: ( لقد أعطاها الله امرا لا تتعداه)، الثاني يشير الى كل بشر كما ان بيت فلان لا يشير الى الجدران بل الى الاسرة، فهذا العالم يحب الله أيضا، لأنهم بالطبيعة يتوقون الى الله قدر ما يستطيع كل أحد بحسب الطبيعة الى الله وان ضلوا في طلب الله، أفتعلمون لماذا يتوق الجميع الى الله؟، لأنهم لا يتوقون جميعا الى صلاح غير متناه بدون أدنى شر، وهذا هو الله وحده، لذلك أرسل الله الرحيم أنبياءه الى هذا العالم لخلاصه، أما الثالث فهو حال سقوط الإنسان في الخطيئة التي تحولت الى شريعة مضادة خالق العالم، فهذا يصيِّر الإنسان نظير الشياطين أعداء الله، فماذا تظنون ـ وهذا العالم يكرهه الله كرها شديدا ـ فما مصير الانبياء لو أحبوا هذا العالم؟، حقا ان الله ليأخذ منهم نبوتهم، وماذا أقول؟، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو خامر رسول الله حب هذا العالم الشرير متى جاء اليه لأخذ الله منه بالتأكيد كل ما وهبه عند خلقه وجعله منبوذا، لأني الله بهذا المقدار مضاد للعالم. الفصل التاسع والخمسون بعد المئة
أجاب التلاميذ: يا معلم ان كلامك لعظيم جدا فارحمنا لأني لا نفهمه، قال يسوع: أيخيل لكم أن الله قد خلق رسوله ليكون ندا له يريد أن يجعل نفسه مساويا لله؟، كلا ثم كلا، بل عبده الصالح الذي لا يريد مالا يريده الله، انكم لا تقدرون أن تفقهوا هذا لانكم لا تعرفون ما هي الخطيئة، فأصيخوا السمع لكلامي، الحق الحق أقول لكم ان الخطيئة لا يمكن أن تنشأ في إنسان إلا مضادة لله، إذ ليست الخطيئة الا ما لا يريده الله، فإن كل ما يريده اجنبي عن الخطيئة، فلو اضطهدني رؤساء الكهنة والكهنة مع الفريسيين لأني شعب اسرائيل دعاني إلها لفعلوا شيئا يرضى به الله ولكافأهم الله، ولكن الله مقتهم لأنهم يضطهدونني لسبب مضاد وهو انهم لا يريدون أن أقول الحق، وكم قد افسدوا بتقليدهم كتاب موسى وكتاب داود نبي الله وخليليه وانهم لهذا يكرهونني ويودون موتي، ان موسى قتل ناسا وأخاب قتل ناسا قولوا لي أيعد هذا قتلا من كليهما؟، لا البتة، لأني موسى قتل الناس ليبيد عبادة الاصنام وليبقي على عبادة الإله الحقيقي، ولكن أخاب قتل ناسا ليبيد عبادة الإله الحقيقي وليبقى على عبادة الأصنام، لذلك تحول قتل موسى للناس ضحية على حين تحول قتل أخاب تدنيسا، فان ذات العمل الواحد أحدث نتيجتين متضادتين، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو كلم الشيطان الملائكة ليرى كيف أحبوا الله لما رذله الله، ولكنه منبوذ لأنه حاول أن يبعدهم عن الله ، حينئذ أجاب الذي يكتب: فكيف يجب اذا أن يفهم ما قيل في ميخا النبي بشأن الكذب الذي أمر الله الانبياء الكذبة أن يتفوهوا به كما هو مكتوب في كتاب ملوك اسرائيل؟، أجاب يسوع: اتل يا برنابا بالاختصار كل ما حدث لترى الحق جليا. الفصل الستون بعد المئة
حينئذ قال الذي يكتب: ان دانيال النبي لما وصف تاريخ ملوك اسرائيل وطغاتهم كتب هكذا: ( اتحد ملك اسرائيل مع ملك يهوذا ليحاربا بني بلعال (أي المنبوذين) الذين كانوا العمونيين، ولما كان يهوشافاط ملك يهوذا وأخاب ملك اسرائيل جالسين كلاهما على عرش في السامرة وقف أمامهم أربع مئة نبي كذاب، فقالوا لملك اسرائيل: (اصعد ضد العمونيين لأني الله سيدفعهم الى يديك وستبدد عمون)، حينئذ قال يهوشافاط: ( هل يوجد نبي هنا لإله ابائنا؟)، أجاب أخاب: (يوجد واحد فقط وهو شرير لأنه دائما يتنبأ بالشر عليّ، ولقد وضعته في السجن) ـ وهو إنما قال ((يوجد واحد فقط)) لأني كل الذين وجدوا قتلوا بأمر أخاب، حتى ان الانبياء كما قلت يا معلم هربوا الى رؤوس الجبال حيث لا يسكن بشر ـ ، حينئذ قال يهوشافاط: (احضره الى هنا ولنر ما يقول)، لذلك أمر أخاب أن يحضر ميخا الى هنا، فأتى بقود في رجليه ووجهه مضطرب كشخص يعيش بين الموت والحياة، فسأله قائلا: (تكلم يا ميخا باسم الله أنصعد ضد العمونيين أيدفع الله مدنهم الى أيدينا؟)، أجاب ميخا: (اصعد اصعد لأنك ستصعد مفلحا وتنزل أشد فرحا!)، حينئذ أطرى الانبياء الكذبة ميخا قائلين: ( انه نبي صادق لله) وكسروا القيود من رجليه، أما يهوشافاط الذي يخاف إلهنا ولم يحن ركبتيه قط للأصنام فسأل ميخا قائلا: (قل الحق يا ميخا اكراما لاله آبائنا كما رأيت عقبى هذه الحرب)، أجاب ميخا: ( إني لأخشى وجهك يا يهوشافاط لذلك أقول لك إني رأيت شعب اسرائيل كغنم لا راعي لها)، حينئذ قال أخاب مبتسما ليهوشافاط: (لقد اخبرتك إن هذا الرجل لا يتنبأ الا بسوء ولكنك لم تصدق ذلك)، فقال حينئذ كلاهما: (كيف تعلم هذا يا ميخا؟)، أجاب ميخا: ((خيل لي أن قد التأمت ندوة من الملائكة في حضرة الله، وسمعت الله يقول هكذا: (من يغوى أخاب ليصعد ضد عمون ويقتل)، فقال واحد شيئا وقال آخر شيئا آخر، ثم أتى ملاك فقال: (يا رب أنا أحارب أخاب فاذهب الى أنبيائه الكذبة والقي كذبا في أفواههم وهكذا يصعد ويقتل)، فلما سمع الله هذا قال: (اذهب وافعل هكذا فانك تفلح) ))، فحنق حينئذ الانبياء الكذبة، فصفع رئيسهم خد ميخا قائلا: (يا منبوذ الله متى عبر لك ملاك الحق من عندنا وجاء اليك، قل لأني متى جاء الينا الملاك الذي حمل الكذب؟)، أجاب ميخا: (انك ستعرف متى هربت من بيت الى بيت خوفا من القتل انك قد أغويت ملكك)، فتغيظ حينئذ أخاب وقال: (امسكوا ميخا وضعوا القيود التي كانت في رجليه على عنقه واقتصروه على خبز الشعير والماء الى حين عودتي، لأني لا أعرف الآن بأية ميتة انكل به)، فصعدوا وتم الامر حسب كلمة ميخا، لأني ملك العمونيين قال لخدمه: ( احذروا أن تحاربوا ملك يهوذا أو عظماء اسرائيل بل اقتلوا عدوي أخاب ملك اسرائيل))، حينئذ قال يسوع قف هنا لأنه يكفي هذا لغرضنا. الفصل الحادي والستون بعد المئة
فقال يسوع: أسمعتم كل شيء؟، أجاب التلاميذ: نعم يا سيد، فقال من ثم يسوع: ان الكذب خطيئة ولكن القتل خطيئة أعظم، لأني الكذب خطيئة تختص بالذي يتكلم، ولكن القتل على كونه يختص بالذي يرتكبه هو يهلك أيضا أعز شيء لله هنا على الأرض أي الإنسان، ويمكن مداواة الكذب بقول ضد ما قد قيل على حين لا دواء للقتل لأنه ليس بممكن منح الميت حياة، قولوا لي اذا هل أخطأ موسى عبد الله بقتل كل الذين قتلهم؟، أجاب التلاميذ: حاش لله حاش لله أن يكون موسى قد أخطأ بطاعته لله الذي أمره، فقال حينئذ يسوع: وأنا أقول حاش لله أن يكون قد أخطأ ذلك الملاك الذي خدع أنبياء أخاب الكذبة بالكذب، لأنه كما ان الله يقبل قتل الناس ذبيحة فهكذا قبل الكذب حمدا، الحق أقول لكم كما يغلط الطفل الذي يصنع حذاءه بقياس(رجلي) جبار هكذا يغلط من يجعل الله خاضعا للشريعة كما انه هو نفسه خاضع لها من حيث هو إنسان، فمتى اعتقدتم أن الخطيئة أنما هي ما لا يريده الله تجدون حينئذ الحق كما قلت لكم، وعليه لما كان الله غير مركب وغير متغير فهو أيضا غير قادر أن يريد وأن لا يريد الشيء الواحد، لأنه بذلك يصير تضاد في نفسه يترتب عليه ألم ولا يكون مباركا الى ما لا نهاية له، أجاب فيلبس: ولكن كيف يجب فهم قول النبي عاموس انه لا يوجد شر في المدينة لم يصنعه الله؟، أجاب يسوع: انظر الآن يا فيلبس ما أشد خطر الاعتماد على الحرف كما يفعل الفريسيون الذين قد انتحلوا لأنفسهم اصطفاء الله للمختارين على طريقة يستنتجون منها فعلا ان الله غير بار وانه خادع وكاذب ومبغض للدينونة (التي ستحل بهم)، لذلك أقول ان عاموس نبي الله يتكلم هنا عن الشر الذي يسميه العالم شرا، لأنه لو استعمل لغة الابرار لما فهمه العالم لأني كل البلايا حسنة اما حسنة لأنه تظهر الشر الذي فعلناه، واما حسنة لأنه تمنعنا عن ارتكاب الشر، واما حسنة لأنه تعرف الإنسان حال هذه الحياة لكي نحب ونتوق الى الحياة الأبدية، فلو قال النبي عاموس: (ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه) لكان ذلك وسيلة لقنوط المصابين متى رأوا أنفسهم في المحن والخطأة في سعة من العيش، وأنكى من ذلك انه متى صدق كثيرون أن للشيطان سلطة على الإنسان خافوا الشيطان وخدموه تخلصا من البلايا، فلذلك فعل عاموس مايفعله الترجمان الروماني الذي لا ينظر في كلامه كأنه يتكلم في حضرة رئيس الكهنة بل ينظر الى إرادة مصلحة اليهودي الذي لا يعرف التكلم باللسان العبراني. الفصل الثاني والستون بعد المئة
لو قال عاموس: ((ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه)) لكان لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته قد ارتكب خطأ فاحشا، لأني العالم لا يرى خيرا سوى الظلم والخطايا التي تصنع في سبيل الباطل، وعليه يكون الناس أشد توغلا في الاثم لأنهم يعتقدون انه لا يوجد خطيئة أو شر لم يصنعه الله وهو أمر تتزلزل لسماعه الأرض، وبعد ان قال يسوع هذا حصل توا زلزال عظيم الى حد سقط معه كل أحد كأنه ميت، فأنهضهم يسوع قائلا: انظروا الآن اذا كنت قد قلت لكم الحق، فليكفكم هذا اذا، انه لما قال عاموس((ان الله صنع شرا في المدينة)) مكلما العالم فهو إنما تكلم عن البلايا التي لا يسميها شر الا الخطأة، ولنأت الآن على ذكر ما سبق الاصطفاء الذين تريدون أن تعرفوه والذي سأكلمكم عنه غدا على مقربة من الاردن على الجانب الآخر ان شاء الله. الفصل الثالث والستون بعد المئة
وذهب يسوع مع تلاميذه الى البرية وراء الاردن، فلما انقضت صلاة الظهيرة جلس بجانب نخلة وجلس تلاميذه تحت ظل النخلة، حينئذ قال يسوع: أيها الاخوة ان سبق الاصطفاء لسر عظيم حتى اني أقول لكم الحق انه لا يعلمه جليا الا إنسان واحد فقط، وهو الذي تتطلع اليه الامم الذي تتجلى له اسرار الله تجليا فطوبى للذين سيصيخون السمع الى كلامه متى جاء الى العالم، لأني الله سيظللهم كما تظللنا هذه النخلة، بلى انه كما تقينا هذه الشجرة حرارة الشمس المتلظية هكذا تقي رحمة الله المؤمنين بذلك الاسم من الشيطان، أجاب التلاميذ: يا معلم من عسى ان يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي الى العالم؟، أجاب يسوع بابتهاج قلب: انه محمد رسول الله، ومتى جاء الى العالم فسيكون ذريعة للاعمال الصالحة بين البشر بالرحمة الغزيرة التي يأتي بها ،كما يجعل المطر الأرض تعطي ثمرا بعد انقطاع المطر زمنا طويلا، فهو غمامة بيضاء ملأى برحمة الله وهي رحمة ينثرها الله رذاذا على المؤمنين كالغيث. الفصل الرابع والستون بعد المئة
اني أشرح لكم الان ذلك النزر القليل الذي وهبني الله معرفته بشأن سبق هذا الاصطفاء نفسه، يزعم الفريسيون ان كل شيء قدر على طريقة لا يمكن معها لمن كان مختارا أن يصير منبوذا، ومن كان منبوذا لا يتسنى له بأية وسيلة كانت أن يصير مختارا، وانه كما أن الله قدّر أن يكون عمل الصلاح هو الصراط الذي يسير فيه المختارون الى الخلاص هكذا قدر أن تكون الخطيئة هي الطريق الذي يسير فيه المنبوذون إلى الهلاك، لعن اللسان الذي نطق بهذا واليد التي سطرته لأني هذا إنما هو اعتقاد الشيطان، فيمكن للمرء على هذا أن يعرف شاكلة فريسيي هذا العصر لانهم خدمة الشيطان الامناء، فماذا يمكن أن يكون معنى سبق اصطفاء سوى انه إرادة مطلقة تجعل للشيء غاية وسيلة الوصول اليها في يد المرء، فانه بدون وسيلة لا يمكن لأحد تعيين غاية، فكيف يتسنى لأحد تقدير بناء بيت وهو لا يعوزه الحجر والنقود ليصرفها فقط بل يعوزه موطئ القدم من الأرض، لا أحد البته، فسبق الاصطفاء لا يكون شريعة الله بالاولى اذا استلزم سلب حرية الارادة التي وهبها الله للإنسان بمحض جوده فمن المؤكد اننا نكون اذ ذاك آخذين في اثبات مكرهة لا سبق اصطفاء، أما كون الإنسان حرا فواضح من كتاب موسى لأني إلهنا عندما أعطى الشريعة على جبل سينا قال هكذا: ( ليست وصيتي في السماء لكي تتخذ لك عذرا قائلا: من يذهب ليحضر لأني وصية الله؟، ومن يا ترى يعطينا قوة لنحفظها؟، ولا هي وراء البحر لكي تعد نفسك كما تقدم، بل وصيتي قريبة من قلبك حتى أنك تحفظها متى شئت)، قولوا لي لو أمر هيرودس شيخا أن يعود يافعا ومريضا أن يعود صحيحا ثم اذا هما لم يفعلا ذلك أمر بقتلهما أفيكون هذا عدلا؟، أجاب التلاميذ: لو أمر هيرودس بهذا لكان أعظم ظالم وكافر، حينئذ تنهد يسوع وقال: أيها الاخوة ما هذه إلا ثمار التقاليد البشرية، لأنه بقولهما أن الله قدّر فقضى على المنبوذ بطريقة لا يمكن معها أن يصير مختارا يجدفون على الله كأنه طاغ وظالم، لأنه يأمر الخاطئ أن يخطئ واذا أخطأ أن يتوب، على ان هذا القدر ينزع من الخاطئ القدرة على ترك الخطيئة فيسلبه التوبة بالمرة. الفصل الخامس والستون بعد المئة
ولكن اسمعوا ما يقول الله على لسان يوئيل النبي : ( لعمري ( يقول ) إلهكم لا أريد موت الخاطئ بل أود أن يتحول الى التوبة)، أيقدر الله اذا ما لا يريده؟، تأملوا ما يقول الله وما يقول فريسيو الزمن الحاضر، يقول الله أيضا على لسان النبي أشعيا: (دعوت فلم تصغوا إلي)، وما أكثر ما دعا الله، فاسمعوا ما يقول على لسان هذا النبي نفسه: (بسطت يدي طول النهار الى شعب لا يصدقني بل يناقضني)، فاذا قال فريسيونا ان المنبوذ لا يقدر أن يصير مختارا فهل يقولون سوى ان الله يستهزئ بالبشر كما لو استهزأ بأعمى يريه شيئا أبيض وكما لو استهزأ بأصم يكلمه في اذنيه؟، أما كون المختار يمكن أن ينبذ فتأملوا ما يقول إلهنا على لسان حزقيال النبي : ( يقول الله لعمري اذا رجع البار عن بره وارتكب الفواحش فانه يهلك ولا أذكر فيما بعد شيئا من بره فان بره سيخذله أمامي فلا ينجيه وهو متكل عليه، أما نداء المنبوذين فماذا يقول الله فيه على لسان هوشع سوى هذا: (انى ادعوا شعبا غير مختار فادعوهم مختارين)،ان الله صادق ولا يمكن أن يكذب وان الله لما كان هو الحق فهو يقول الحق، ولكن فريسيي الوقت الحاضر يناقضون الله كل المناقضة بتعليمهم. الفصل السادس والستون بعد المئة
أجاب اندراوس: ولكن كيف يجب أن يفهم ما قال الله لموسى من انه يرحم من يرحم ويقسِّي من يقسى؟، أجاب يسوع: إنما يقول الله هذا لكيلا يعتقد الإنسان انه خلص بفضيلته، بل ليدرك ان الحياة ورحمة الله قد منحهما له الله من جوده، ويقوله ليتجنب البشر الذهاب إلى أنه يوجد آلهة أخرى سواه، فاذا هو قسِّى فرعون فإنما فعله لأنه نكل بشعبنا وحاول أن يبغى عليه بابادة كل الاطفال الذكور من اسرائيل حتى كاد موسى يخسر حياته، وعليه أقول لكم حقا ان أساس القدر إنما هو شريعة الله وحرية الارادة البشرية، بل لو قدّر الله أن يخلص العالم كله حتى لا يهلك أحد لما أراد أن يفعل ذلك، لكيلا يجرد الإنسان من الحرية التي يحفظها له ليكبد الشيطان حتى يكون لهذه الطينة التي امتهنها الروح (الشيطان) ـ وان أخطأت كما فعل الروح ـ قدرة على التوبة والذهاب للسكن في ذلك الموضع الذي طرد منه الروح، فأقول إن إلهنا يريد أن يتبع برحمته حرية إرادة الإنسان ، ولا يريد أن يترك بقدرته غير المتناهية المخلوق ، هكذا لا يقدر أحد في يوم الدين أن يعتذر عن خطاياه، لأنه يتضح له حينئذ كم فعل الله لتجديده وكم وكم قد دعاه الى التوبة. الفصل السابع والستون بعد المئة
وعليه فاذا كانت أفكاركم لا تطمئن لهذا ووددتم أن تقولوا أيضا : (( لماذا هكذا)) فاني أوضح لكم ((لماذا)) ، وهو هذا: قولوا لي لماذا لا يمكن الحجر أن يستقر على سطح الماء مع ان الأرض برمتها مستقرة على سطح الماء؟، قولوا لي لماذا كان التراب والهواء والماء والنار متحدة بالإنسان ومحفوظة على وفاق؟ مع ان الماء يطفئ النار والتراب يهرب من الهواء حتى انه لا يقدر أحد أن يؤلف بينها، فإذ كنتم اذا لا تفقهون هذاـ بل ان كل البشر من حيث هم بشر لا يقدرون أن يفقهوه ـ فكيف يفقهون ان الله خلق الكون من لا شيء بكلمة واحدة؟، كيف يفقهون أزلية الله؟، حقا لا يتاح لهم أبدا أن يفقهوا هذا، لأنه لما كان الإنسان محدودا ويدخل في تركيبه الجسد الذي هو كما يقول النبي سليمان قابل للفساد يضغط النفس ولما كانت أعمال الله مناسبة لله فكيف يمكن للإنسان ادراكها؟، فلما رأى أشعيا نبي الله هذا صرخ قائلا : ( حقا إنك لإله محتجب ) ، ويقول عن رسول الله كيف خلقه الله : ( أما جيله فمن يصفه ؟ ) ، ويقول عن عمل الله : ( من كان مشيره فيه ) ، لذلك يقول الله للطبيعة البشرية: (كما تعلوا السماء عن الأرض هكذا تعلوا طرقي عن طريقكم وأفكاركم)، لذلك أقول لكم ان كيفية القدر غير واضحة للإنسان وان كان ثبوته حقيقيا كما قلت لكم، أفيجب اذا على الإنسان أن ينكر الواقع لأنه لا يقدر أن يعرف كيفيته؟، حقا اني لم أجد أحدا يرفض الصحة وان لم يمكن ادراك كيفيتها، لأني لا أدري حتى الآن كيف يشفي الله المرض بواسطة لمسي. الفصل الثامن والستون بعد المئة
حينئذ قال التلاميذ: حقا ان الله تكلم على لسانك لأنه لم يتكلم إنسان قط كما تتكلم، أجاب يسوع: صدقوني انه لما اختارني الله ليرسلني الى بيت اسرائيل اعطاني كتابا يشبه مرآة نقية نزلت الى قلبي حتى ان كل ما أقول يصدر عن ذلك الكتاب، ومتى انتهى صدور ذلك الكتاب من فمي أصعد عن العالم، أجاب بطرس: يا معلم هل ما تتكلم به مكتوب في ذلك الكتاب؟، أجاب يسوع: ان كل ما أقول لمعرفة الله ولخدمة الله ولمعرفة الإنسان ولخلاص الجنس البشري إنما هو جميعه صار من ذلك الكتاب هو انجيلي، قال بطرس: أمكتوب فيه مجد الجنة ؟ . الفصل التاسع والستون بعد المئة
أجاب يسوع: أصيخوا السمع أشرح لكم كيفية الجنة وكيف ان الاطهار والمؤمنين يقيمون هناك الى غير نهاية، وهذا بركة من أعظم بركات الجنة لأني كل شيء مهما كان عظيما اذا كان له نهاية يصير صغيرا بل لا شيء، فالجنة هي البيت الذي يخزن فيه الله مسراته التي هي عظيمة جدا، حتى ان الأرض التي تدوسها أقدام الاطهار والمباركين ثمينة جدا بحيث ان درهما منها أثمن من ألف عالم ، ولقد رأى هذه المسرات أبونا داود نبي الله، فان الله أراه اياها اذ يسر له أن يبصر مجد الجنة، ولذلك لما عاد الى نفسه غطى عينيه بكلتا يديه وقال باكيا: (لا تنظري فيما بعد الى هذا العالم يا عيني لأني كل شيء فيه باطل وليس فيه شيء جيد)، ولقد قال عن هذه المسرات أشعيا النبي: ( لم تر عينا إنسان ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه)، أتعلمون لماذا لم يروا ولم يسمعوا ولم يدركوا هذه المسرات؟ لأنهم ما داموا عائشين هنا في الاسفل فهم ليسوا أهلا لمشاهدة مثل هذه الاشياء، ولذلك اخبركم ان أبانا داود على كونه قد رآها حقا لم يرها بعينين بشريتين، لأني الله أخذ نفسه اليه وهكذا لما صار متحدا مع الله رآها بنور إلهي ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لما كانت مسرات الجنة غير متناهية وكان الإنسان متناهيا فلا يقدر الإنسان أن يعيها كما ان جرة صغيرة لا تقدر أن تعي البحر، انظروا ما أجمل العالم في زمن الصيف حين تحمل كل الاشياء ثمرا؟، حتى ان الفلاح نفسه يثمل من الحبور بالحصاد الذي أتى فيجعل الاودية والجبال ترجع غناءه، لأنه يحب أعماله كل الحب، الا فارفعوا اذا قلبكم هكذا الى الجنة حيث تثمر كل الاشياء ثمارا على قدر الذي حرثها، لعمر الله ان هذا كاف لمعرفة الجنة من حيث ان الله خلق الجنة بيتا لمسراته، ألا تظنون انه يكون للجودة غير المحدودة بالقياس أشياء غير محدودة في الجودة؟، أو أنه يكون للجمال الذي يقاس أشياء جمالها يفوق القياس؟، احذروا فانكم تضلون كثيرا اذا كنتم تظنون انها ليست عنده. الفصل السبعون بعد المئة
يقول الله هكذا للرجل الذي يعبده باخلاص: (اعرف أعمالك وانك تعمل لي، لعمري أنا الأبدي إن حبك لا يزيد على جودي، فإنك تعبدني إلها خالقا لك عالما أنك صنعي، ولا تطلب مني شيئا سوى النعمة والرحمة لإخلاصك في عبادتي لأنك لا تضع حدا لعبادتي إذ ترغب أن تعبدني أبدا ، هكذا أفعل أنا فاني اجزيك كأنك إله وند لي ، لأني لا أضع في يديك خيرات الجنة فقط بل أعطيك نفسي هبة، وكما انك تريد أن تكون عبدي دائما اجعل أجرتك الى الابد).