تقبع كثير من الفتيات الخليجيات في هم وحزن عميق تنتظر الواحدة منهن فارس أحلامها، حين صدقت رغما عنها أن الحياة والمستقبل والسعادة تتلخص في كلمة واحدة (رجل)، كيف لا وهي من نشأت وهي تسمع ذلك المثل الغارق في مأسويته (ظل رجل ولا ظل حيطة) حيث صوّر لها المجتمع أنه في الرجل ولا شيء غير الرجل يكون مستقبلها، ولقنوها كلمة كلمة، وحرفا حرفا أنك بلا رجل نصف امرأة، وهي أيضاً من تتعرض يوميا لضغط من العائلة والمجتمع ـ ولا أعمم ـ لكي تتزوج، فوجود المرأة وحيدة بلا رجل هو خطر عليها وقد يلحق العار بأهلها.
ويصبح الأمر أكثر سوءاً ودمارا حين تكون مطلقة، عندها يتحول الضغط إلى إرهاب حقيقي، فتتجاهل وتضع فئة من المجتمع كل نجاحات وإنجازات وطموحات المرأة ورغبتها في تحقيق ذاتها واختياراتها جانبا، ويصبح الهدف الأول والأهم على الإطلاق هو إيجاد هذا الرجل الذي سيطفئ نار الخوف والقلق المتقد داخلهم، ويسكت أفواه الناس الذين ما برحوا يتساءلون ويؤلفون قصصا، بل ويطلقون إشاعات بلذة عن سبب تأخرها بالزواج.
وتبقى الضحية الوحيدة هي المرأة التي قد تخضع أمام هذه الضغوطات وتجبر نفسها على الموافقة على أول طارق وطالب قرب، عندها قد يتحول الموضوع إلى كارثة تمتد وتطال الأبناء لاحقا. فقد يكون هذا الرجل الذي تزوجته مجبرة لا بطلة ليس الشخص الذي تمنت الارتباط به والعيش معه في حد أدنى من الاحترام والتفاهم، فهو الغائب دائما وأبدا عن البيت، يصول ويجول في الاستراحات والمقاهي وسفرات المتعة التي لا تنتهي، لتغدو هي القائمة على رعاية الأبناء والمسؤولة عن توفير كافة احتياجات ولوازم البيت، فهي من تدفع فواتير الهاتف وراتب الخادمة والسائق وبنزين السيارة، والقائمة تطول.
حينها فقط تدرك أن ظل (حائط) قد يكون أفضل بكثير من ظل (رجل) اعتقدت أنها ستستظل به من شمس الأيام الحارقة، وتجد فيه وطنا تنتمي له، يمدها بالأمان والطمأنينة والحب. ولكنها اليوم مع الأسف وجدت نفسها بلا ظل تستظل به على الرغم من وجود الرجل في حياتها، فتتنازل عن رقتها ونعومتها وتخلع رداء الأُنوثة مجبرة وتتقن دور الرجل بجدارة.
أتفهم تماما خوف أي عائلة على بناتها، ورغبتهم في أن يروا ابنتهم مع رجل يحبها ويحميها ويشاركها الحياة والدرب والمصير، لكن لماذا كل هذا الضغط والخوف والقلق؟ فكما يقول الروائي السعودي (هاني نقشبندي): (هل هناك سوق للرجال يعرضون فيه لكي تشتري الفتاة زوجا يلائمها؟، ثم هل كل الرجال صالحون لكي يكونوا أزوجا، وهل كل من يصلحون أن يكونوا أزواجا يلائمونها؟ ثم، وهذا أخطر ما في الأمر، لماذا نجعل من الرجل محور حياة الفتاة وكل غايتها؟) أنا ضد أن تبقى المرأة بلا رجل، ضد أن يبقى الإنسان بلا شريك، ولكن الضغط يولد الانفجار، والقلق والعيش في حالة طوارئ خوفا من ألسن الناس التي لا ترحم مرهق ومهلك نفسيا وجسديا، بل واجتماعيا.
يجب أن ندرك أن عدم وجود رجل هو أفضل بمراحل من وجود من هو سيئ وخبيث وفاسد، فإلى متى يستخدم الآباء والأمهات سلطاتهم على بناتهم لإقناعهن بالزواج والتخلص من نميمة الناس وأسئلتهم المبطنة؟ وإلى متى ندمر مستقبل بناتنا كي نرضي الآخرين؟ الزواج كما وصفه الله تعالى مودة ورحمة، ولا يستمر إلا بالاحترام والانسجام والتفاهم، وليس كما يعتقد بعض الآباء أنه تحصيل حاصل لابد أن يتم، وما يتبع ذلك لا يهم إطلاقا.
وحتى أكون منصفة ومحايدة في طرحي هذا، فإن بعض الشباب تمارس عليهم ذات الضغوطات من قبل الأب والأم، ولكن مع اختلاف الأسباب والمسوغات والدوافع، فمنهم من يزوجون ابنهم (زيمينه يعقل) و«زيمينه» كلمة سعودية شعبية تعني «لعله»، وآخرون يمارسون الضغط عليه ويزوجونه دون أن يكون راغبا أو مقتنعا بذلك لكي يروا أبناء أبنائهم، تعددت الأسباب والفكر واحد.
لهؤلاء الآباء والأمهات أقول إن الزواج ليس حفلة ممتعة تمارسون الضغط على أبنائكم وبناتكم لحضورها، بل هو رغبة داخلية قد يكون أحد أسبابها نداء الأمومة لدى الأنثى والرغبة بالاستقرار والهدوء عند الرجل، معززة بقناعة داخلية واستعداد نفسي عال يجب أن يتحلى به المقبل على هذه المرحلة المصيرية من حياته. فإننا نظلم أبناءنا كثيرا حين نلقي بهم في علاقة هم ليسوا مهيئين لها.
ونقسو كثيرا على بناتنا حين نصور لهن الحياة على أنها رجل ولا شيء سوى الرجل ونجبرهن بالفعل أو الكلمة أو النظرة على الزواج معتقدين أننا سنسعدهن ونحافظ عليهن ونحن في الحقيقة ندمرهن ونحطمهن، حين نزج بهن في غياهب المستقبل المجهول حيث يا تصيب يا تخيب.
نبض الضمير: (ليست الأنانية أن يعيش المرء كما يريد، بل أن يطالب الآخرين أن يعيشوا كما يريد هو أن يعيش).