كشفت دراسة حديثة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ، بعنوان (الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي: المخاطر والتداعيات)، حيث هي دراسة تحليلية شاملة أعدتها حديثا شركة ''بوز آند كومباني''، وأعدتها وكتبتها المستشارة الدكتورة منى صلاح الدين المنجد عن أن معدلات الطلاق سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة في دول المنطقة، وما زالت في ارتفاع مستمر
وأظهرت الإحصاءات التي وردت في هذه الدراسة أن معدلات الطلاق الإجمالية كنسبة مئوية من جميع حالات الزواج في دول الخليج بلغت 20 في المائة في المملكة العربية السعودية عام 2008، و24 في المائة في البحرين 2007، و25.62 في المائة في الإمارات 2008، و34.76 في المائة في قطر 2009، و37.13 في المائة في الكويت 2007.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الطلاق من إجمالي السكان تكاد تتساوى مع نسبة الزواج في الفئة العمرية 20 ـــ 29 عاما، وبلغت معدلات الطلاق حدها الأقصى في الفئة العمرية 30 ـــ 39 عاما، ما يشير إلى أن الأزواج الشباب في كثير من الأحيان هم أكثر عرضة للطلاق في السنوات الأولى من الزواج أو بعد مرور فترة قصيرة من عمر الزواج.
وقالت الدراسة ''إن هنالك حاجة ماسة إلى معرفة أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لمساعدة واضعي السياسات الاجتماعية على تحديد ماهية الأنماط الجديدة التي تؤثر سلبا في مستقبل التنمية الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي إيجاد سبل تسهم في الحد من ارتفاع معدلات الطلاق. ومن الضروري أيضا إدراك تداعيات الطلاق السلبية على المجتمع، من أجل وضع برامج تسهم في معالجة آثارها الضارة''. ويؤثر الطلاق سلبا في وحدة الأسرة ورفاهية أفرادها. فحياة أفراد الأسرة تتأثر سلبا بنهاية الزواج، وتترك آثارا ضارة خصوصا على الأطفال والنساء.
وشددت الدراسة على أن الطلاق يؤثر في صراع الوالدين سلبا على نمو الأطفال العاطفي والعقلي، ولا يستثني الضرر صحتهم أيضا. وتشير الدراسات إلى أن الطلاق يجعل الأطفال في بعض الأحيان عدوانيين ومفرطي النشاط وقلقين، ويجعلهم يعانون اضطرابات في النوم، وفقدان الشهية. وقد يصبح الأطفال عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، ويتدنى أداؤهم المدرسي.. وقد يلجأون إلى المخدرات والجريمة كملاذ للهروب من المعاناة. وقد يشعر الأطفال بعقدة الذنب لظنهم بأنهم كانوا سببا في طلاق والديهم. قد يكون الطلاق محررا ومنقذا لحياة المرأة التي تتعرض للعنف الجسدي أو العاطفي. ولكنه تجربة مؤلمة للكثيرات. قد تعاني بعض النساء المطلقات الاستغلال الجسدي والنفسي على أيدي أزواجهن السابقين الذين قد يمتنعون عن دفع النفقة أو السماح لهن بحضانة أطفالهن. وقد تقع أخريات ضحايا للتمييز السلبي على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. وتؤثر هذه المشكلات بصفة خاصة في النساء من الطبقة ذات الدخل المحدود، فهن غير مؤهلات لدخول سوق العمل، ولا يستطعن إعالة أنفسهن ماديا. أما اللاتي يكن أوفر حظا ويحصلن على فرص عمل، فيعانين نظرة المجتمع القاسية للمرأة المطلقة، التي تعول أطفالها بمفردها. ويواجه كثير من النساء الحيرة في الاختيار بين البقاء في زواج غير موفق من أجل الاستمرار في العيش مع أبنائهن، أو التخلي عن أبنائهن من أجل الهروب من الخلافات الزوجية أو سوء المعاملة.
وأفادت الدراسة بأن الوعي يزداد حالياً في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بانتشار ظاهرة الطلاق وآثارها السلبية. واتخذت عدد من دول مجلس التعاون الخليجي منفردةً خطوات قانونية واجتماعية عدة لوقف ارتفاع معدلات الطلاق، مثل تطبيق قوانين جديدة من شأنها منع الزوج من لفظ كلمة “طلاق” بشكل متهور، وتنظيم برامج مختلفة لزيادة الوعي للآثار السلبية التي تنجم عن الطلاق.
ونوهت إلى أن النساء يتأثرن سلباً بالطلاق أكثر من الرجال. والواقع أن وضع المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال عرضة للتمييز السلبي في قضايا الطلاق، وذلك لعدم وجود آليات تتحقق من تنفيذ القوانين المعنية بحقوق المرأة الشرعية.
ولمواجهة هذه المشكلة بدأت دول مجلس التعاون أيضاً اتخاذ خطوات تضمن المزيد من الحماية للنساء خلال عملية الطلاق. ومن المرجح أن يساهم تعيين النساء في سلك القضاء في تفسير قانون الأسرة بشكل أكثر مراعاة للمرأة.
وعدت الدراسة أن أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي تعود إلى وجود سببين متباينين، هما: الحياة العصرية من جهة، والتقاليد من جهة أخرى. فتشير الدلائل إلى أن الحياة العصرية، وبما في ذلك الانتقال من مرحلة البداوة للمدنية، أضعفت من شأن بعض القيم والممارسات التقليدية التي تسهم في تمتين علاقة العائلات مع بعضها بعضا، ففرضت الحياة العصرية ضغطا على المتزوجين. وفي الوقت نفسه، قوّضت التقاليد والممارسات الاجتماعية الموروثة بُنية الزواج في بيئة الخليج المتجهة نحو التحديث ومواكبة العصر. وبينت الدراسة أن الفترة التي شهدت اكتشاف النفط منذ 78 عاما طفرة في الثروات والتصنيع، وتحولا متسارعا نقل البدو من حياتهم المستقرة إلى حياة المدن، وشهدت المنطقة تطورا في البنية التحتية وتوسعا في التعليم، وظهرت القنوات الفضائية والإنترنت. وأدت كل هذه التحولات المتسارعة إلى تغيرات رئيسة في المنطقة، ما أثر في المعايير الاجتماعية والشخصية والسلوكية لسكان منطقة دول الخليج. وأحدث تعرض أهل المنطقة لأفكار جديدة وأساليب حياة مختلفة من الثقافات الأجنبية، وتغيرات كبيرة في توقعات سكان الخليج في نظرتهم للحياة، وتأثرت توقعاتهم من الزواج تبعا لذلك.
كما يؤكد بعض المحللين في دول مجلس التعاون الخليجي، أن النزعة المادية والاستهلاكية باتت تزاحم التقاليد التي تثمن العلاقات الانسانية وتؤثرها على الممتلكات والماديات. ويعد بعض الأزواج الشباب أن الوضع الاجتماعي مرتبط بعدد السيارات التي يمتلكها الشخص، والمنازل الفخمة والملابس الممهورة بأسماء مصممي دور الأزياء العالمية وكثرة خدم المنازل، وجميعها من الكماليات التي تؤدي إلى تراكم الديون، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى خلافات تنتهي في بعض الأحيان إلى الطلاق. إضافة إلى تحديات الحياة العصرية للاستقرار الزوجي، تسهم أيضا بعض القيم والممارسات التقليدية التي لا تزال واسعة الانتشار في المجتمعات الخليجية ذات الطابع الأبوي في زيادة في معدلات الطلاق لحدوث صراع مع الأدوار الاجتماعية الجديدة، إذ لا يزال بعض الشباب غير قادرين على اختيار شركائهم، خاصة أن الأب يتمتع بالسلطة العليا في اتخاذ قرار من يتزوج ابنه، وتزداد هذه السلطة شدة عندما يتعلق الأمر ببناته. ولا يمكننا أن نغفل الضغوط الاجتماعية على الشباب للإقدام على الزواج في عمر مبكر. وتزداد حدة هذه الضغوط على الفتيات، كما أن فرص الشباب والشابات في التعرف على شركاء حياتهم المستقبليين قبل الزواج محدودة، ما يؤدي إلى صعوبة التواصل بينهم بعد أن يتم الزواج. وتسهم بعض التقاليد في ارتفاع نسب الفشل في الزواج، ومنها تدخل أهل الزوج والزوجة في شؤون الزوجين. والأمر الآخر هو ميل بعض الأسر إلى تربية الأطفال ليكونوا معتمدين كليا على أسرهم في وقت الأزمات، عوضا عن تربيتهم بشكل يسمح لهم بتحمل المسؤولية ومواجهة الأزمات بمفردهم. وفي كثير من الأحيان يجهل الأزواج الذين يكونون في مقتبل العمر مفهوم الحلول الوسط أو التسوية، فيرون أن الطلاق هو الحل الأمثل عندما تسوء الأمور وليس حلا أخيرا تلجأ إليه الأطراف المعنية بعد استنفاد الحلول الأخرى كافة.
وأوصت الدراسة أن تجري حكومات مجلس التعاون الخليجي المزيد من البحوث حول الطلاق، على أن تشمل البحوث إنشاء قواعد بيانات إحصائية عن مختلف الفئات الاجتماعية. وتشمل بعض الحلول لمواجهة ظاهرة الطلاق، إنشاء مراكز استشارية للمتزوجين لتوفير المشورة قبل الزواج وبعده وقبل حدوث الطلاق وبعده.