انجيل برنابا
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة
وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع وقالوا: يا معلم ماذا يجب أن نفعل لكي نتخلص من الكبرياء، فأجاب يسوع: هل رأيتم فقيرا مدعوا الى بيت عظيم ليأكل خبزا؟، أجاب يوحنا: اني أكلت خبزا في بيت هيرودس، لأني قبل أن عرفتك كنت أذهب لصيد السمك وأبيعه لبيت هيرودس، فجئتهم يوما الى هناك وهو في وليمة بسمكة نفيسة فأمرني بأن أبقى وآكل هناك، فقال حينئذ يسوع: كيف أكلت خبزا مع الكفار؟ ليغفر لك الله يا يوحنا، ولكن قل لي كيف تصرفت على المائدة؟، أطلبت أن يكون لك المحل الأرفع، أطلبت أشهى الطعام؟، أتكلمت على المائدة وأنت لم تسأل؟ أحسبت نفسك أكثر أهلية للجلوس الى المائدة من الآخرين؟، أجاب يوحنا لعمر الله اني لم أجسر أن أرفع عيني لأني صياد سمك فقير ومرتد ثيابا رثة جالس مع حاشية الملك، فكنت متى ناولني الملك قطعة صغيرة أخال العالم هبط على رأسي لعظم المنة التي أحسن بها الملك الي، والحق أقول أنه لو كان الملك من شريعتنا لخدمته طول ايام حياتي فأجاب يسوع: صه يا يوحنا لأني أخشى أن يطرحنا الله في الهاوية لكبريائنا كأبيرام، فارتعد التلاميذ خوفا من كلام يسوع فعاد وقال: لنخش الله لكي لا يطرحنا في الهاوية لكبريائنا، أسمعتم أيها الاخوة من يوحنا ما صنع في بيت أمير، ويل للبشر الذين أتوا الى العالم لانهم كما يعيشون في الكبرياء سيموتون في المهانة وسيذهبون الى الاضطراب، فان هذا العالم بيت يولم الله فيه للبشر حيث أكل كل الاطهار وأنبياء الله، والحق أقول لكم أن كل ما ينال الإنسان إنما يناله من الله ، لذلك يجب على الإنسان أن يتصرف بأعظم ضعة عارفا حقارته وعظمة الله مع كرمه العظيم الذي يغذينا به، لذلك لا يجوز للمرء أن يقول: لماذا فعل هذا أو قيل هذا في العالم؟ بل يجب عليه أن يحسن نفسه كما هو في الحقيقة غير أهل أن يقف في العالم على مائدة الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أنه مهما كان الشيء الذي يناله الإنسان من الله في العالم صغيرا فانه يجب عليه في مقابلته أن يصرف حياته حبا في الله، لعمر الله انك لم تخطئ يا يوحنا لأنك واكلت هيرودس فانك فعلت ذلك بتدبير الله لتكون معلمنا نحن وكل من يخشى الله ثم قال يسوع لتلاميذه: هكذا افعلوا لتعيشوا في العالم كما عاش يوحنا في بيت هيرودس عندما أكل خبزا معه، لأنكم هكذا تكونون بالحق خالين من كل كبرياء. الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة
ولما كان يسوع ماشيا على شاطئ بحر الجليل أحاط به جمهور غفير من الناس فركب سفينة صغيرة منفردة كانت على بعد قليل من الشاطئ فرست على مقربة من البر بحيث يمكن سماع صوت يسوع، فاقتربوا جميعا من البحر وجلسوا ينتظرون كلمته ففتح حينئذ فاه وقال: هاهو ذا قد خرج الزارع ليزرع، فبينما كان يزرع سقط بعض البذور على الطريق فداسته أقدام الناس وأكلته الطيور، وسقط بعض على الحجارة فلما نبت احرقته الشمس اذ لم يكن فيه رطوبة، وسقط بعض على السياج فلما طلع الشوك خنق البذور، وسقط بعض على الأرض الجيدة فأثمر ثلاثين وستين ومئة ضعف، وقال يسوع أيضا: هاهو ذا أب أسرة زرع بذورا جيدة في حقله، وبينا خدم الرجل الصالح نيام جاء عدو الرجل سيدهم وزرع زوانا فوق البذور الجيدة، فلما نبتت الحنطة رؤي كثير من الزوان نابتا بينها، فجاء الخدم الى سيدهم وقالوا: يا سيد ألم نزرع بذورا جيدة في حقلك؟ فمن أين اذا طلع فيه مقدار وافر من الزوان؟، أجاب السيد: اني زرعت بذورا جيدة ولكن بينا الناس نيام جاء عدو الإنسان وزرع زوانا فوق الحنطة، فقال الخدم: أتريد أن نذهب ونقتلع الزوان من بين الحنطة ؟ ، أجاب السيد: لا تفعلوا هكذا لأنكم تقلعون الحنطة معه، ولكن تمهلوا حتى يأتي زمن الحصاد وحينئذ تذهبون وتقتلعون الزوان من بين الحنطة وتطرحونه في النار ليحرق وأما الحنطة فتضعونها في مخزني، وقال يسوع أيضا: خرج أناس كثيرون ليبيعوا تينا فلما بلغوا السوق اذا بالناس لا يطلبون تينا جيدا بل ورقا جميلا، فلم يتمكن القوم من بيع تينهم، فلما رأى ذلك أحد الاهالي الاشرار قال اني لقادر على أن أصير غنيا، فدعا ابنيه(وقال) : ((اذهبا الى واجمعا مقدارا كبيرا من الورق مع تين ردئ)) ، فباعوها بزنتها ذهبا لأني الناس سروا كثيرا بالورق، فلما أكل الناس التين مرضوا مرضا خطيرا، وقال أيضا يسوع: ها هوذا ينبوع لأحد الاهالي يأخذ منه الجيران ماء ليزيلوا به وسخهم، ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن، وقال يسوع أيضا: ذهب رجلان ليبيعا تفاحا فأراد احدهما أن يبيع قشر التفاح بزنته ذهبا غير مبال بجوهر التفاح، أما الآخر فأحب أن يهب التفاح ويأخذ قليلا من الخبز لسفره فقط، ولكن الناس اشتروا قشر التفاح بزنته ذهبا ولم يبالوا بالذي أحب أن يهبهم بل احتقروه، وهكذا كلم يسوع الجمع في ذلك اليوم بالامثال، وبعد ان صرفهم ذهب مع تلاميذه الى نايين حيث أقام ابن الارملة الذي قبله وامه الى بيته وخدمه. الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة
فاقترب تلاميذ يسوع منه وسألوه قائلين: يا معلم قل لأني معنى الامثال التي كلمت بها الشعب، أجاب يسوع: اقتربت ساعة الصلاة فمتى انتهت صلاة المساء افيدكم معنى الامثال، فلما انتهت الصلاة اقترب التلاميذ من يسوع فقال لهم: ان الرجل الذي يزرع البذور على الطريق أو على الحجارة أو على الشوك أو على الأرض الجيدة هو من يعلم كلمة الله التي تسقط على عدد غفير من الناس، تقع على الطريق متى جاءت الى اذان البحارة والتجار الذين أزال الشيطان كلمة الله من ذاكرتهم بسبب الاسفار الشاسعة التي يزمعونها وتعدد الامم التي يتجرون معها، وتقع على الحجارة متى جاءت الى اذان رجال البلاط لأنه بسبب شغفهم بخدمة شخص حاكم لا تنفذ اليهم كلمة الله، على انهم وان كان لهم شيء من تذكرها فحالما تصيبهم شدة تخرج كلمة الله من ذاكرتهم، لأنهم وهم لم يخدموا الله لا يقدرون أن يرجوا معونة من الله، وتقع على الشوك متى جاءت الى اذان الذين يحبون حياتهم، لأنهم ـ وان نمت كلمة الله فيهم ـ اذا نمت الاهواء الجسدية خنقت البذور الجيدة من كلمة الله، لأني رغد العيش الجسدي يبعث على هجران كلمة الله، أما التي تقع على الأرض الجيدة فهو ما جاء من كلمة الله الى اذني من يخاف الله حيث تثمر ثمر الحياة الابدية، الحق أقول لكم ان كلمة الله تثمر في كل حال متى خاف الإنسان الله، أما ما يختص بأبي الاسرة فالحق أقول لكم انه الله ربنا أب كل الأشياء لأنه خلق الأشياء كلها، ولكنه ليس أباً على طريقة الطبيعة لأنه غير قادر على الحركة التي لا يمكن التناسل بدونها، فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر ينشأ عنه شفيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الاطهار والأنبياء: (( يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر فمن أين اذا الاضاليل الكثيرة؟))، فيجيب الله: (( اني أعطيت البشر تعليما صالحا ولكن بينما كان البشر منقطعين الى الباطل زرع الشيطان ضلالا يبطل شريعتي، فيقول الاطهار: (( يا سيد اننا نبدد هذه الاضاليل باهلاك البشر)) ، فيجيب الله: (( لا تفعلوا هذا لأني المؤمنين يهلكون مع الكافرين، ولكن تمهلوا الى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار فيقعون مع الشيطان في الجحيم والمؤمنون يأتون الى مملكتي))، ومما لا ريب فيه أن كثيرين من الاباء الكفار يلدون ابناء مؤمنين لأجلهم امهل الله العالم ليتوب. الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة
أما الذين يثمرون تينا حسنا فهم المعلمون الحقيقيون الذين يبشرون بالتعليم الصالح، ولكن العالم الذي يسر بالكذب يطلب من المعلمين أوراقا من الكلام والمداهنة المزوقين، فمتى رأى الشيطان ذلك اضاف نفسه مع الجسد والحس وأتى بمقدار وافر من الاوراق أي مقدار من الاشياء الأرضية التي يعطي بها الخطيئة، فمتى أخذها الإنسان اعتل وأمسى على وشك الموت الأبدي، أما أحد الاهالي الذي عنده ماء ويعطي ماءه للآخرين ليغسلوا وسخهم ويترك ثيابه تنتن فهو المعلم الذي يبشر الاخرين بالتوبة أما هو نفسه فيلبث في الخطيئة، ما أتعس هذا الإنسان لأني لسانه نفسه يخط في الهواء القصاص الذي هو أهل له لا الملائكة، لو كان لأحد لسان فيل وكان سائر جسده صغيرا بقدر نملة أفلا يكون هذا الشيء من خوارق الطبيعة؟، بلى البتة، فالحق أقول لكم أن من يبشر الآخرين بالتوبة ولا يتوب هو عن خطاياه لأشد غرابة من ذاك، أما الرجلان بائعا التفاح فأحدهما من يبشر لأجل محبة الله، فهو لذلك لا يداهن أحدا بل يبشر بالحق طالبا معيشة فقير فقط، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان العالم لا يقبل رجلا كهذا بل هو حري بأن يحتقره، ولكن من يبيع القشر بزنته ذهبا ( ويهب التفاحة ) فإنما هو من يبشر ليرضى الناس، وهكذا متى داهن العالم أتلف النفس التي تتبع مداهنته، آه كم وكم من اناس هلكوا لهذا السبب؟، حينئذ أجاب الكاتب وقال: كيف يجب على الإنسان أن يصغي الى كلمة الله وكيف يمكن لأحد أن يعرف الذي يبشر لأجل محبة الله؟، أجاب يسوع: انه يجب أن يصغي الى من يبشر متى بشر بتعليم صالح كان المتكلم هو الله لكنه يتكلم بفمه، ولكن من يترك التوبيخ على الخطايا محابيا بالوجوه ومداهنا اناس خصوصيين فيجب تجنبه كأفعى مخوفة لأنه بالحقيقة يسم القلب البشري، أتفهمون؟، الحق أقول لكم انه كما لا حاجة بالجريح الى عصائب جميلة لعصب جراحه بل يحتاج بالحري الى مرهم جيد هكذا لا حاجة بالخاطئ الى كلام مزوق بل بالحرى الى توبيخات صالحة لكي ينقطع عن الخطيئة. الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة
فقال حينئذ بطرس:يا معلم قل لأني كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الإنسان من الخطيئة؟، أجاب يسوع: يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فاني ان شاء الله مجيبك، فاعلموا اذا ان الجحيم هي واحدة ومع ذلك فان له سبع دركات الواحدة منها دون الاخرى، فكما ان للخطيئة سبعة أنواع اذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب، لأني المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها، وكما انه يطلب هنا أن يكون اعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون اضحوكة وسخرية للشياطين، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط الى الدركة السادسة، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم، ويخيل له ان كل الاشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط الى الدركة السابعة، فلذلك فان عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على اعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم ان شخصا يرفسه فيتعذب، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس، ويخيل اليه حيث لا مسرة على الاطلاق ان كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف ان التنكيل به لم يكن أشد، أما الطماع فيهبط الى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي، فاذا صار في يديه اختطفته شياطين اخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات: (اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال) ، ما أتعسه من إنسان، فانه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر، وانه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه ان ينال النعيم الأبدي!، أما الدركة الرابعة فيهبط اليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق، وهناك تعانقهم الافاعي الجهنمية، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم الى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الاسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم، ويهبط الى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن، هنا تشاد مدن وصروح فخمة، ولا تكاد تنجز حتى تهدم توا لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل، لأني الكسل قد أزال قوة ذراعيه، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم، وأنكى من ذلك ان وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الأرض مرات متعددة وهو تحت العبء، ولا يساعده أحد في رفعه، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف، ويهبط الى الدركة الثانية النهم، فيكون هناك قحط الى حد ان لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والافاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى انهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا اذا بدا لهم الطعام، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فانها تمزق سوءة النهم، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة اخرى، ويهبط المستشيط غضبا الى الدركة الاولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لأني يديه ورجليه مربوطة، وأنكى من ذلك انه غير قادر على اظهار غيظه باهانة الآخرين لأني لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا. الفصل السادس والثلاثون بعد المئة
ففي هذه البقعة الملعونة يقيم الكافرون الى الابد، حتى لو فرض ان العالم ملئ حبوب دخن وكان طير واحد يحمل حبة واحدة منها كل مئة سنة الى انقضاء العالم لسر الكافرون لو كان يتاح لهم بعد انقضائه الذهاب الى الجنة، ولكن ليس لهم هذا الامل اذ ليس لعذابهم من نهاية، لأنهم لم يريدوا أن يضعوا حدا لخطيئتهم حبا في الله، أما المؤمنون فسيكون لهم تعزية لأني لعذابهم نهاية، فذعر التلاميذ لما سمعوا هذا وقالوا: أيذهب اذا المؤمنون الى الجحيم؟، أجاب يسوع: يتحتم على كل أحد أيا كان أن يذهب الى الجحيم، بيد ان ما لا مشاحة فيه ان الاطهار وأنبياء الله إنما يذهبون الى هناك ليشاهدوا لا ليكابدوا عقابا ، أما الأبرار فانهم لا يكابدون الا الخوف ، وماذا أقول ؟ افيدكم أنه حتى رسول الله يذهب إلى هناك ليشاهد عدل الله ، فترتعد ثمة الجحيم لحضوره، وبما انه ذو جسد بشري يرفع العقاب عن كل ذي جسد بشري من المقضي عليهم بالعقاب فيمكث بلا مكابدة عقاب مدة اقامة رسول الله لمشاهدة الجحيم ، ولكنه لا يقيم هناك إلا طرفة عين، وإنما يفعل الله هذا ليعرف كل مخلوق أنه نال نفعا من رسول الله ، ومتى ذهب إلى هناك ولولت الشياطين وحاولت الاختباء تحت الجمر المتقد قائلا بعضهم لبعض : اهربوا اهربوا فان عدونا محمد قد أتى، فمتى سمع الشيطان ذلك يصفع وجهه بكلتا كفيه ويقول صارخا: (( ذلك بالرغم عني لأشرف مني وهذا إنما فعل ظلما))، أما ما يختص بالمؤمنين الذين لهم اثنان وسبعون درجة مع أصحاب الدرجتين الاخيرتين الذين كان لهم ايمان بدون اعمال صالحة اذ كان الفريق الاول حزينا على الاعمال الصالحة والاخر مسرورا بالشر ، فسيمكثون جميعا في الجحيم سبعين ألف سنة، وبعد هذه السنين يجيء الملاك جبريل الى الجحيم ويسمعهم يقولون: يا محمد أين وعدك لأني ان من كان على دينك لا يمكث في الجحيم الى الابد، فيعود حينئذ ملاك الله الى الجنة وبعد أن يقترب من رسول الله باحترام يقص عليه ما سمع، فحينئذ يكلم الرسول الله ويقول: ربي وإلهي اذكر وعدك لي أنا عبدك بأن لا يمكث الذين قبلوا ديني في الجحيم الى الابد، فيجيب الله: اطلب ما تريد يا خليلي لأني أهبك كل ما تطلب. الفصل السابع والثلاثون بعد المئة
فحينئذ يقول رسول الله: يا رب يوجد من المؤمنين في الجحيم من لبث سبعين ألف سنة، أين رحمتك يا رب؟، اني أضرع اليك يا رب أن تعتقهم من هذه العقوبات المرة، فيأمر الله حينئذ الملائكة الاربعة المقربين لله أن يذهبوا الى الجحيم ويخرجوا كل من على دين رسوله ويقودوه الى الجنة، وهو ما سيفعلونه، ويكون من مبلغ جدوى دين رسول الله ان كل من آمن به يذهب الى الجنة بعد العقوبة التي تكلمت عنها حتى ولو لم يعمل عملا صالحا لأنه مات على دينه. الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة
ولما طلع الصباح جاء باكرا رجال المدينة كلهم مع النساء والاطفال الى البيت الذي كان فيه يسوع وتلاميذه، وتوسلوا اليه قائلين: يا سيد ارحمنا لأني الديدان قد أكلت في هذه السنة الحبوب ولا نحصل في هذه السنة على خبز في أرضنا، أجاب يسوع: ما هذا الخوف الذي أنتم فيه؟، ألا تعلمون ان ايليا خادم الله لم ير خبزا مدة اضطهاد أخاب له ثلاث سنين مغتذيا بالبقول والثمار البرية فقط؟، وعاش داود أبونا نبي الله مدة سنتين على الثمار البرية والبقول اذ اضطهده شاول حتى انه لم يذق الخبز سوى مرتين، أجاب القوم: انهم كانوا أيها السيد أنبياء الله يغتذون بالمسرة الروحية ولذلك احتملوا كل شيء، ولكن ماذا يصيب هؤلاء الصغار؟ ثم أروه جمهور أطفالهم، حينئذ تحنن يسوع على شقائهم وقال: كم بقي للحصاد؟، فأجابوا: عشرون يوما، فقال يسوع: يجب أن ننقطع مدة هذه العشرين يوما للصوم والصلاة لأني الله سيرحمكم، الحق أقول لكم ان الله قد أحدث هذا القحط لأنه ابتدأ هنا جنون الناس وخطيئة اسرائيل اذ قالوا انني انا الله وابن الله، وبعد ان صاموا تسعة عشر يوما شاهدوا في صباح اليوم العشرين الحقول والهضاب مغطاة بالحنطة اليابسة، فأسرعوا الى يسوع وقصوا عليه كل شيء، فلما سمع يسوع ذلك شكر الله وقال: اذهبوا أيها الاخوة واجمعوا الخبز الذي أعطاكم اياه الله، فجمع القوم مقدارا وافرا من الحنطة حتى انهم لم يعرفوا أين يضعوه، وكان ذلك سبب سعة في اسرائيل، فتشاور الاهالي لينصبوا يسوع ملكا عليهم، فلما عرف ذلك هرب منهم، ولذلك اجتهد التلاميذ خمسة عشر يوما ليجدوه. الفصل التاسع والثلاثون بعد المئة
أما يسوع فوجده الذي يكتب ويعقوب ويوحنا، فقالوا وهم باكون يا معلم لماذا هربت منا؟، فلقد طلبناك ونحن حزانى بل ان التلاميذ كلهم طلبوك باكين، فأجاب يسوع : إنما هربت لأني علمت أن جيشا من الشياطين يهيء لي ما سترونه بعد برهة وجيزة، فسيقوم على رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وسيطلبون أمرا من الحاكم الروماني بقتلي، لأنهم يخافون أن أغتصب ملك اسرائيل، وعلاوة على هذا فان واحدا من تلاميذي يبيعني ويسلمني كما بيع يوسف الى مصر، ولكن الله العادل سيوثقه كما يقول النبي داود: ( من نصب فخا لأخيه وقع فيه)، ولكن الله سيخلصني من أيديهم وسينقلني من العالم، فخاف التلاميذ الثلاثة، ولكن يسوع عزاهم قائلا: لا تخافوا لأنه لا يسلمني أحد منكم، فكان لهم بهذا شيء من العزاء، وجاء في اليوم التالي ستة وثلاثون تلميذا من تلاميذ يسوع مثنى مثنى، ومكث في دمشق ينتظر الباقين، وحزن كل منهم لأنهم عرفوا أن يسوع سينصرف من العالم، لذلك فتح فاه وقال: ان من يسير دون أن يعلم الى أين يذهب لهو تعيس، وأتعس منه من هو قادر ويعرف كيف يبلغ نزلا حسنا ومع ذلك يريد أن يمكث في الطريق القذرة والمطر وخطر اللصوص، قولوا لي أيها الاخوة هل هذا العالم وطننا؟ لا البتة فان الإنسان الاول طرد الى العالم منفيا ، فهو يكابد فيه عقوبة خطأه، أيمكن أن يوجد منفي لا يبالي بالعودة الى وطنه الغني وقد وجد نفسه في الفاقة؟، حقا ان العقل لينكر ذلك ولكن الاختبار يثبته بالبرهان، لأني محبي العالم لا يفكرون في الموت، بل عندما يكلمهم عنه أحد لا يصغون الى كلامه. الفصل الاربعون بعد المئة
صدقوني أيها القوم اني جئت الى العالم بامتياز لم يعط الى بشر حتى انه لم يعط لرسول الله لأني إلهنا لم يخلق الإنسان ليبقيه في العالم بل ليضعه في الجنة، ومن المحقق ان من لا امل له ان ينال شيئا من الرومانيين لأنهم من شريعة غريبة عنه لا يريد ان يترك وطنه وكل ما عنده ويذهب ليتوطن رومية على ان لا يعود، ويكون ميله الى ذلك أقل جدا اذا هو اغاظ قيصر، فالحق أقول لكم انه هكذا يكون وسليمان نبي الله يصرح معي: ( ما أمر ذكراك ايها الموت للذين يتنعمون في ثروتهم)، اني لا أقول هذا لأني علي ان اموت الآن، واني عالم باني سأحيا الى نحو منتهى العالم، ولكن أكلمكم بهذا لكي تتعلموا كيف تموتون، لعمر الله اذا اسيء عمل شيء ولو مرة دل على انه لابد من التمرن عليه اذا اريد اتقانه، ارايتم كيف تتمرن الجنود في زمن السلم بعضهم مع بعض كأنهم يتحاربون؟، وكيف يتاح لمن يتعلم كيف يحسن الموت ان يموت ميتة صالحة، قال النبي داود: ( ثمين في نظر الرب موت الطاهرين)، اتدرون لماذا؟، اني افيدكم، انه لما كانت الاشياء النادرة ثمينة وكان موت الذين يحسنون الموت نادرا كان ثمينا في نظر الله خالقنا، فمن المؤكد انه متى شرع المرء في امر لا يريد ان ينجزه فقط ولكنه يكدح حتى يكون لغرضه نتيجة حسنة، يا لك من رجل شقي يفضل سراويلاته على نفسه، لأنه عندما يفصل القماش يقيسه جيدا قبل تفصيله ومتى فصله خاطه باعتناء، اما حياته التي ولدت لتموت ـ اذ لا يموت الا من يولد ـ فلماذا لايقيسها الإنسان بالموت؟، ارأيتم البنائين كيف لا يضعون حجرا الا والاساس نصب عيونهم فيقيسونه ليروا اذا كان مستقيما لكيلا يسقط الجدار؟، يا له من رجل تعيس لأني بنيان حياته سيتهدم شر تهدم لأنه لا ينظر الى اساس الموت. الفصل الحادي والاربعون بعد المئة
قولوا لي كيف يولد الإنسان متى ولد؟، حقا انه ولد عريانا، وأي جدوى متى وسِّد ميتا تحت الثرى؟، ليس سوى خرقة يلف بها وهذا هو الجزاء الذي يعطيه اياه العالم، فاذا كان يجب في كل عمل أن تكون الوسيلة على نسبة البداية والنهاية ليمكن ايصال العمل الى نهاية حسنة فما عسى أن تكون نهاية الإنسان الذي يشتهي الثروة العالمية؟، انه ليموت كما يقول داود نبي الله: ( ان الخاطئ ليموتن شر ميتة)، اذا حاول خياط أن يدخل جذوعا في سم ابرة بدلا من خيط فما يكون مصير عمله، انه ليحاول عبثا وجيرانه يزدرون به، فالإنسان لا يرى انه فاعل هذا على الدوام وهو يجمع الخيرات الأرضية، لأني الموت هو الابرة التي لا يمكن ادخال جذوع الخيرات الأرضية في سمها، ومع ذلك فهو بجنونه يحاول على الدوام أن يفلح في عمله ولكن عبثا، ومن لا يصدق هذا في كلامي فليتفرس في القبور لأنه هناك يجد الحق، فمتى أراد أن يبرز في الحكمة على من سواه في خوف فليطالع كتاب القبر، لأنه هناك يجد التعليم الحقيقي لخلاصه، فانه متى رأى ان جسد الإنسان يحفظ ليكون طعاما للديدان تعلَّم أن يحذر العالم والجسد والحس، قولوا لي اذا كان هناك طريق على حال يكون اذا سار معها المرء في الوسط سارآمنا فاذا سارعلى الجانبين شج رأسه، فماذا تقولون اذا رأيتم الناس يختصمون ويتبارون ليكونوا أقرب الى الجانب ويقتلوا أنفسهم؟، ما أشد ما يكون عجبكم! حقا انكم تقولون: انهم لمعتوهون ومجانين وإنهم إذا لم يكونوا مجانين فإنما هم بائسون، أجاب التلاميذ: إن ذلك لصحيح، حينئذ بكى يسوع وقال: إن عشاق العالم إنما هم لكذلك، لأنهم لو عاشوا بحسب العقل الذي اتخذ موضعا متوسطا في الإنسان لاتبعوا شريعة الله وخلصوا من الموت الابدي، ولكنهم جنُّوا وأصبحوا أعداءا عتاة لأنفسهم لأنهم يتبعون الجسد والعالم مجتهدين في أن يعيش كل منهم أشد غطرسة وفجورا من الآخر. الفصل الثاني والاربعون بعد المئة
لما رأى يهوذا الخائن ان يسوع قد هرب يئس من أن يصير عظيما في العالم، لأنه كان يحمل كيس يسوع حيث كان يحفظ فيه كل ما كان يعطى له حبا في الله، فهو قد رجا أن يصير يسوع ملكا على اسرائيل وانه هو نفسه يصبح رجلا عزيزا، فلما فقد هذا الرجاء قال في نفسه: لو كان هذا الرجل نبيا لعرف اني أختلس نقوده ولكان حنق وطردني من خدمته اذ يعلم اني لا اؤمن به، ولو كان حكيما لما هرب من المجد الذي يريد الله أن يعطيه اياه، فالأجدر بي اذا أن أتفق مع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين ونرى كيف اسلمه الى أيديهم فبهذا أتمكن من تحصيل شيء من النفع، فبعد ان عقد النية أخبر الكتبة والفريسيين عما حدث في نايين، فتشاوروا مع رئيس الكهنة قائلين: (ماذا نفعل لو صار هذا الرجل ملكا؟، حقا ان ذلك يكون وبالا علينا فإنه يريد أن يصلح عبادة الله على حسب السنة القديمة، لأنه لا يقدر أن يبطل تقاليدنا، فكيف يكون مصيرنا تحت سلطان رجل هكذا؟، حقا اننا نهلك نحن وأولادنا لأني اذا طردنا من وظيفتنا اضطررنا أن نستعطي خبزنا، أما الآن فالحمد لله لأني ملك ووال اجنبيان عن شريعتنا ولا يباليان بشريعتنا كما لا نبالي نحن بشريعتهم، ولذلك نقدر أن نفعل كل ما نريد، فإن أخطأنا فإن إلهنا رحيم يمكن استرضاؤه بالضحية والصوم، ولكن اذا صار هذا الرجل ملكا فلن يسترضى الا اذا رأى عبادة الله كما كتب موسى، وأنكى من ذلك أنه يقول أن مسيا لا يأتي من نسل داود((كما قال لأني أحد تلاميذه الاخصاء)) بل يقول انه يأتي من نسل إسماعيل، وان الموعد صنع بإسماعيل لا باسحاق، فماذا يكون الثمر اذا تركنا هذا الإنسان يعيش؟، من المؤكد ان الاسماعليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين فيعطونهم بلادنا ملكا، وهكذا يصير اسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديما)، فلما سمع رئيس الكهنة هذا الرأي أجاب انه يجب أن يتفق مع هيرودس والوالي، لأني الشعب كثير الميل اليه حتى انه لا يمكننا اجراء شيء بدون الجند، وان شاء الله نتمكن بواسطة الجند من القيام بهذا العمل، فبعد ان تشاوروا فيما بينهم على امساكه ليلا متى رضي الوالي وهيرودس بذلك. الفصل الثالث والاربعون بعد المئة
وجاء حينئذ بمشيئة الله كل التلاميذ الى دمشق، وتظاهر في ذلك اليوم يهوذا الخائن أكثر من غيره بمكابدة الحزن على غياب يسوع، لذلك قال يسوع: ليحذر كل أحد من يحاول بدون سبب أن يقيم لك دلائل الحب، وأخذ الله بصيرتنا حتى لا نعلم لأي غرض قال هذا، وبعد مجيء كل التلاميذ قال يسوع: لنرجع الى الجليل لأني ملاك الله ((قال؟)) لي انه يجب علي أن أذهب الى هناك، وعليه جاء يسوع الى الناصرة في صباح يوم سبت، فلما تبين الاهالي انه يسوع أحب كل أحد أن يراه، حتى ان عشارا اسمه زكا كان قصير القامة بحيث لا يقدر أن يرى يسوع مع كثرة الجمع فتسلق جميزة حتى رأسها، وتربص هناك حتى يمر يسوع في ذلك المكان وهو ذاهب الى المجمع، فلما بلغ يسوع ذلك الموضع رفع عينيه وقال: انزل يا زكا لأني سأقيم في بيتك، فنزل الرجل وقبَّله بفرح وصنع وليمة عظيمة، فتذمر الفريسيون قائلين لتلاميذ يسوع: لماذا ذهب معلمكم ليأكل مع عشارين وخطاة؟، أجاب يسوع: لأي سبب يذهب الطبيب الى بيت المريض؟، قولوا لي أقل لكم لماذا ذهبت الى هناك، أجابوا: ليشفي المرض، أجاب يسوع: فقد قلتم الحق فانه لا حاجة بالاصحاء الى طبيب بل المرضى فقط. الفصل الرابع والاربعون بعد المئة
لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الله يرسل أنبياءه وخدامه الى العالم ليتوب الخطأة، ولا يرسلهم لأجل الأبرار لأنه ليس بهم حاجة الى التوبة كما انه لا حاجة بمن كان نظيفا الى الحمام، ولكن الحق أقول لكم لو كنتم فريسيين حقيقيين لسررتم بدخولي على الخطأة لخلاصهم، قولوا لي أتعرفون منشأكم ولماذا ابتدا العالم يقبل الفريسيين؟، اني لأقول لكم انكم لا تعرفونه، فأصيخوا لاستماع كلامي، ان أخنوخ خليل الله الذي صار مع الله بالحق غير مكترث بالعالم نقل الى الفردوس، وهو يقيم هناك الى الدينونة(لأنه متى اقتربت نهاية العالم يرجع الى العالم مع ايليا وآخر)، فلما علم الناس بذلك شرعوا يطلبون الله خالقهم طمعا في الفردوس، لأني معنى الفردوس بالحرف في لغة الكنعانيين((يطلب الله))، لأنه هناك ابتدأ هذا الاسم على سبيل الاستهزاء بالصالحين، لأني الكنعانيين كانوا منغمسين في عبادة الاصنام التي هي عبادة أيد بشرية، وعليه كان الكنعانيون عندما يرون أحدا ممن كان منفصلا من شعبنا عن العالم ليخدم الله قالوا سخرية فريس أي(( يطلب الله))، كأنهم يقولون أيها المجنون ليس لك تماثيل من أصنام فانك تعبد الريح فانظر الى عقباك واعبد آلهتنا، فقال يسوع: الحق أقول لكم إن كل قديسي الله وأنبيائه كانوا فريسيين لا بالاسم مثلكم بل بالفعل نفسه، لأنهم في كل أعمالهم طلبوا الله خالقهم وهجروا مدنهم ومقتنياتهم حبا في الله فباعوها وأعطوها للفقراء حبا في الله. الفصل الخامس والاربعون بعد المئة
لعمر الله لقد كان في زمن ايليا خليل الله ونبيه اثنا عشر جبلا يقطنها سبعة عشر ألف فريسي، ولم يكن بين هذا العدد الغفير منبوذ واحد بل كانوا جميعا مختاري الله، أما الان وفي اسرائيل أكثر من مئة ألف فريسي فعسى ان شاء الله أن يوجد بين كل ألف مختار واحد، فأجاب الفريسيون بحنق: أنحن اذا جميعا منبوذون وتجعل ديانتنا منبوذة؟، أجاب يسوع: اني لا أحسب ديانة الفريسيين الحقيقيين منبوذة بل ممدوحة واني مستعد أن أموت لاجلها، ولكن تعالوا ننظر هل أنتم فريسيون؟، ان ايليا خليل الله كتب اجابة لتضرع تلميذه أليشع كتيبا أودع فيه الحكمة البشرية مع شريعة الله أبينا، فتحير الفريسيون لما سمعوا اسم كتاب ايليا لأنهم عرفوا بتقليداتهم أن لا أحد حفظ هذا التعليم، لذلك أرادوا أن ينصرفوا بحجة اشغال يجب قضاؤها، حينئذ قال يسوع: لو كنتم فريسيين لتركتم كل شغل ولاحظتم هذا لأني الفريسي إنما يطلب الله وحده، لذلك تأخروا بارتباك ليصغوا الى يسوع الذي عاد فقال ، ( ايليا عبد الله ) لأنه هكذا يبتدئ الكتيب ( يكتب هذا لجميع الذين يبتغون أن يسيروا مع الله خالقهم، ان من يحب أن يتعلم كثيرا يخاف الله قليلا، لأني من يخاف الله يقنع بأن يعرف ما يريده الله فقط، ان من يطلب كلاما مزوقا لا يطلب الله الذي لا يفعل الا توبيخ خطايانا، على من يشتهون أن يطلبوا الله أن يحكموا اقفال أبواب بيتهم وشبابيكه، لأني السيد لا يرضى أن يوجد خارج بيته حيث لا يحب، فاحرسوا مشاعركم واحرسوا قلبكم لأني الله لا يوجد خارجا عنا في هذا العالم الذي يكرهه، على من يريدون أن يعملوا أعمالا صالحة أن يلاحظوا أنفسهم لأنه لا يجدي المرء نفعا أن يربح كل العالم ويخسر نفسه، على من يريدون تعليم الآخرين أن يعيشوا أفضل من الآخرين لأنه لا يستفاد شيء ممن يعرف أقل منا نحن، فكيف اذا يصلح الخاطئ حياته وهو يسمع من هو شر منه يعلمه، على من يطلبون الله أن يهرب من محادثة البشر، لأني موسى لما كان وحده على جبل سينا وجد الله وكلمه كما يكلم الخليل خليله، على من يطلبون الله أن يخرجوا مرة كل ثلاثين يوما الى حيث يكون أهل العالم، لأنه يمكن أن يعمل في يوم واحد أعمال سنتين من خصوص شغل الذي يطلب الله، عليه متى تكلم أن لا ينظر الا الى قدميه، عليه متى تكلم أن لا يقول الا ما كان ضروريا، عليهم متى أكلوا أن يقوموا عن المائدة وهم دون الشبع، مفكرين كل يوم انهم لا يبلغون اليوم التالي، وصارفين وقتهم كما يتنفس المرء، ليكن ثوب واحد من جلد الحيوانات كافيا، على كتلة التراب أن تنام على الاديم، ليكف كل ليلة ساعتان من النوم، عليه أن لا يبغض أحدا الا نفسه، عليهم أن يكونوا واقفين اثناء الصلاة بخوف كأنهم أمام الدينونة الآتية فافعلوا اذا هذا في خدمة الله مع الشريعة التي أعطاكم اياها الله على يد موسى، لأنه بهذه الطريقة تجدون الله، وانكم ستشعرون في كل زمان ومكان انكم في الله وان الله فيكم، هذا كتيب ايليا أيها الفريسيون لذلك أعود فأقول لكم لو كنتم فريسيين لسررتم بدخولي هنا لأني الله يرحم الخطأة. الفصل السادس والاربعون بعد المئة
فقال حينئذ زكا: يا سيد انظر فاني اعطى حبا في الله اربعة أضعاف ما أخذت بالربا، حينئذ قال يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، حقا حقا ان كثيرين من العشارين والزوانى والخطأة سيمضون الى ملكوت الله، وسيمضي الذين يحسبون أنفسهم أبرارا الى اللهب الأبدية، فلما سمع الفريسيون هذا انصرفوا حانقين، ثم قال يسوع للذين تحولوا الى التوبة ولتلاميذه: كان لأب ابنان فقال اصغرهما: ( يا أبت أعطني نصيبي من المال) فأعطاه أبوه اياه، فلما اخذ نصيبه انصرف وذهب الى كورة بعيدة حيث بذر كل ماله على الزانيات باسراف، فحدث بعد ذلك جوع شديد في تلك الكورة حتى إن الرجل التعيس ذهب ليخدم أحد الاهالي فجعله راعيا للخنازير في ملكه، وكان وهو يرعاها يخفف جوعه بأكل ثمر البلوط مع الخنازير، ولكنه لما رجع الى نفسه قال: (كم في بيت أبي من سعة العيش وأنا أهلك هنا جوعا، لذلك فلأقم ولأذهب الى أبي وأقل له: (يا أبت أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك)، فذهب المسكين وحدث أن أباه رآه قادما من بعيد فتحنن عليه فذهب لملاقاته ولما وصل اليه عانقه وقبله، فانحنى الابن أمام أبيه قائلا: ( يا أبت لقد أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك لأني لست مستحقا أن ادعى ابنك)، أجاب الاب: (لا تقل يابني هكذا فأنت ابني ولا أسمح أن تكون عبدا لي)، ثم دعا خدمه وقال: (اخرجوا الحلل وألبسوا ابني اياها وأعطوه سراويل جديدة، اجعلوا الخاتم في اصبعه، واذبحوا حالا العجل المسمن فنطرب، لأني ابني هدا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد). الفصل السابع والاربعون بعد المئة
وبينما كانوا يطربون في البيت واذا بالبكر جاء الى البيت، فلما سمعهم يطربون في الداخل تعجب، فدعا أحد الخدم وسأله لماذا كانوا في مثل هذا الطرب، أجاب الخادم: (لقد جاء اخوك فذبح له ابوك العجل المسمن وهم في طرب)، فلما سمع البكر هذا تغيظ غيظا شديدا ولم يدخل البيت، فخرج أبوه اليه وقال له: (يا بني لقد جاء أخوك فتعال اذا وافرح معه)، أجاب الابن بغيظ: (لقد خدمتك خير خدمة فلم تعطني قط حملا لافرح مع اصدقائى، ولكن لما جاء هذا الخسيس الذي انصرف عنك مبذرا نصيبه كله على الزانيات ذبحت العجل المسمن)، أجاب الاب: ( يا بني أنت معي في كل حين وكل مالي فهو لك ولكن هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد)، فازداد الكبير غضبا وقال: ( اذهب وفز فاني لا آكل على مائدة زناة)، وانصرف عن أبيه دون أن يأخذ قطعة واحدة من النقود، ثم قال يسوع: لعمر الله هكذا يكون فرح بين ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب، ولما أكلوا انصرف لأنه يريد أن يذهب الى اليهودية، فقال من ثم التلاميذ: يا معلم لا تذهب الى اليهودية لأني نعلم ان الفريسيين قد ائتمروا مع رئيس الكهنة بك، أجاب يسوع: ان(( اني)) علمت بذلك قبل أن فعلوه، ولكن لا أخاف لأنهم لا يقدرون أن يفعلوا شيئا مضادا لمشيئة الله فليفعلوا كل ما يرغبون، فاني لا أخافهم بل أخاف الله. الفصل الثامن والاربعون بعد المئة
الا قولوا لي هل فريسيو اليوم فريسيون؟، هل هم خدم الله؟، لا لا البتة، بل الحق أقول لكم انه لا يوجد هنا على الأرض شر من أن يستر الإنسان نفسه بالعلم ووشاح الدين ليخفي خبثه، اني أقص عليكم مثالا واحدا من فريسي الزمان القديم لكي تعرفوا الحاضرين منهم، بعد سفر ايليا تشتت شمل طائفة الفريسيين بسبب الاضطهاد العظيم من عبدة الاصنام، لأنه ذبح في زمن ايليا نفسه في سنة واحدة عشرة آلاف نبي ونيف من الفريسيين الحقيقيين، فذهب فريسيان الى الجبال ليقطنا هناك، ولبث احدهما خمس عشرة سنة لا يعرف شيئا عن جاره مع ان أحدهما كان على بعد ساعة واحدة عن الاخر، فانظروا اذا كانا طفيليين، فحدث في هذه الجبال قيظ فشرعا من ثم كلاهما يفتشان على ماء فالتقيا، فقال هناك الاكبر منهما ـ لأنه كان من عادتهم أن يتكلم الاكبر قبل كل أحد غيره واذا تكلم شاب قبل شيخ حسبوا ذلك خطيئة كبرى ـ: (أين تسكن أيه الاخ؟)، فأجاب مشيرا باصبعه الى المسكن: (ههنا اسكن) لأنهما كانا قريبين من مسكن الاصغر، فقال الاكبر: (لعلك أتيت لما قتل أخاب أنبياء الله؟)، أجاب الاصغر: ( انه لكذلك)، قال الاكبر: (اتعلم أيها الاخ من هو الملك على اسرائيل الآن؟)، فأجاب الاصغر: ( ان الله هو ملك اسرائيل لأني عبدة الاصنام ليسوا ملوكا بل مضطهدين لاسرائيل)، قال الاكبر: (ان هذا صحيح ولكن إرادة أن أقول من هو الذي يضطهد اسرائيل الآن)، أجاب الاصغر: ( ان خطايا اسرائيل تضطهد اسرائيل لأنهم لو لم يخطئوا لم يسلط(الله) على اسرائيل العظماء عبدة الأصنام، فقال حينئذ الاكبر: ( من هو ذلك العظيم الكافر الذي أرسله الله لتأديب اسرائيل)؟ أجاب الاصغر: (كيف يمكن أن أعرف وأنا لم أر إنسانا مدة هذه الخمس عشرة سنة سواك وأجهل القراءة فلا ترسل إلي رسائل؟ )، قال الاكبر: (ما أجد جلود الغنم التي عليك فاذا كنت لم تر إنسانا فمن اعطاك اياها ؟ ). الفصل التاسع والاربعون بعد المئة
أجاب الاصغر: (ان من حفظ ثياب شعب اسرائيل جديدة أربعين سنة في البرية حفظ جلودي كما ترى، حينئذ لاحظ الاكبر ان الاصغر كان أكبر منه لأنه كان أكمل منه لأنه كان كل سنة يختلط بالناس، ولذلك قال لكي يظفر بمحادثته: (أيها الاخ انك لا تعرف القراءة وأنا أعرف القراءة وعندي في بيتي مزامير داود، فتعال اذا لأعطيك كل يوم قراءة وأوضح لك ما يقول داود)، أجاب الاصغر: (لنذهب الآن)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انني منذ يومين لم أشرب ماء فلنفتش اذا على قليل من الماء)، قال الاصغر: ( أيها الاخ منذ شهرين لم أشرب ماء فلنذهب اذا ونرى ماذا يقول الله على لسان نبيه داود، ان الله لقادر على أن يعطينا ماء)، فعادوا من ثم الى مسكن الاكبر فوجدوا على بابه ينبوعا من ماء عذب، قال الاكبر: ( انك أيها الاخ قدوس الله لأنه من أجلك قد أعطى هذا الينبوع)، أجاب الاصغر: ( انك أيها الاخ تقول هذا تواضعا، ولكن من المؤكد انه لو فعل الله هذا من أجلي لكان صنع ينبوعا قريبا من مسكني حتى لا أنصرف (للتفتيش عليه)، فاني اعترف لك بأني أخطأت اليك لما قلت انك منذ يومين لم تشرب وكنت تفتش على الماء، أما أنا فاني بقيت شهرين دون شرب ولذلك شعرت باعجاب فيّ كأني أفضل منك)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انك قلت الصحيح ولذلك لم تخطئ)، قال الاصغر: (انك قد نسيت أيها الاخ ما قال أبونا ايليا ان من يطلب الله يجب أن يحكم على نفسه فقط، ومن المؤكد أنه قال هذا لا لنعرفه بل لنعمل به)، وبعد ان لاحظ الاكبر سنا صدق وبرارة رفيقه قال: ( إنه لصحيح غفر لك إلهنا)، وبعد إن هذا أخذ المزامير وقرأ ما يقول أبونا داود : ( إني أضع حارسا لفمي حتى لا يميل قلبي إلى كلمات الاثم منتحلا عذرا عن خطاياى)، وهنا القى الشيخ خطابا على اللسان وانصرف الاصغر، فلبثا من ثم خمس عشرة سنة اخرى حتى التقيا لأني الاصغر غيّر مسكنه، لذلك عندما عاد الاكبر فلقيه قال: ( لماذا لم ترجع أيها الاخ الى مسكني؟)، أجاب الاصغر: ( لأني لم أتعلم جيدا حتى الان ما قلته لي)، فقال الاكبر: (كيف يمكن ذلك وقد مرت الآن خمس عشرة سنة)، أجاب الاصغر: (اما الكلمات فقد تعلمتها في ساعة واحدة ولم أنسها قط ولكني حتى الان لم أحفظها، فما الفائدة من أن يتعلم المرء كثيرا جدا ولا يحفظه؟، ان الله لا يطلب أن تكون بصيرتنا جيدة بل قلبنا، وهكذا لا يسألنا في يوم الدينونة عما تعلمنا بل عما عملنا). الفصل المئة والخمسون
أجاب الاكبر: ( لاتقل هكذا أيها الاخ لأنك إنما تحتقر المعرفة التي يريد الله أن تعتبر ) ، أجاب الاصغر : ( فكيف أتكلم اذا حتى لا أقع في الخطيئة ، لأني كلمتك صادقة وكلمتي أيضا ، أقول اذا ان من يعرف وصايا الله المكتوبة في الشريعة يجب عليه العمل بهذه أولا اذا أحب أن يتعلم بعد ذلك أكثر، وليكن كل ما يتعلمه الإنسان للعمل لا(لمجرد) العلم به)، أجاب الاكبر: (قل لي أيها الأخ مع من تكلمت لتعلم انك لم تتعلم كل ما قلته؟)، أجاب الاصغر: (اني أتكلم أيها الاخ مع نفسي، اني أضع كل يوم نفسي أمام دينونة الله لاعطي حسابا عن نفسي، وأشعر على الدوام في داخلي بمن يوبخ ذنوبي)، قال الاكبر: ( ما هي ذنوبك أيها الأخ الذي هو كامل؟)، أجاب الاصغر: (لا تقل هذا لأني واقف بين ذنبين كبيرين، الاول اني لا أعرف نفسي اني أعظم الخطأة، الثاني لا أرغب في مجاهدة النفس لذلك أكثر من الآخرين)، أجاب الاكبر: (كيف تعلم انك أعظم الخطأة اذا كنت أكمل الناس؟) أجاب الاصغر: (ان الكلمة الأولى التي قالها لي معلمي عندما لبست لباس الفريسيين هي أنه يجب علي أن أفكر في خير غيري وفي إثمي فإذا فعلت هذا عرفت أنني أعظم الخطأة ) ، قال الأكبر : ( في خير من وذنب من تفكر وأنت على هذه الجبال فانه لا يوجد بشر هنا؟)، أجاب الاصغر: (يجب على أن أفكر في طاعة الشمس والسيارات، لأنه تعبد خالقها افضل مني، ولكني أحكم عليها اما لأنه لا تعطي